البحث الدقيق ومقابلة بعض هذه المفردات النباتية يوصلان كل متأمل إلى أن يعرف أن جملة منها مماثلة لبعضها في جميع الأوصاف ، وبعضها لا توجد فيه إلا أوصاف عامة فإذا تأملنا في غاية من الصنوبر أو من البلوط أو في مزرعة حنطة أو نحو ذلك مثلا ترى في جميع هذه النباتات أن الجذور والسوق والأوراق والأزهار والثمار أوصافها واحدة ، وبزور أي نبات من هذه النباتات تنبت منها نباتات متشابهة لما تولدت منه وحينئذ فمفردات كل من الصنوبر أو البلوط أو الحنطة تنسب إلى نوع واحد فالحكيم القادر أنبأنا سبحانه وتعالى عن ذلك بقوله : (مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) [الأنعام : الآية ٩٩]. يقال : اشتبه الشيآن وتشابها ، كقولك استويا وتساويا ، والافتعال والتفاعل يشتركان كثيرا ، وقرئ متشابها وغير متشابه ، وإنما قال مشتبها ولم يقل مشتبهين إما اكتفاء بوصف أحدهما أو على تقدير والزيتون مشتبها وغير متشابه به والرومان كذلك كقوله :
رماني بأمر كنت منه ووالدي |
|
بريئا ومن أجل الطوى رماني |
فإذا تبين لك هذا فاعلم أن المشتبهات المفرد والنوع والصنف والجنس أما المفرد فقد تقدم لك ، وأما النوع فهو عبارة عن مجموع جميع المفردات التي تشبه بعضها أكثر من أن تشبه مفردات أخرى ، وبالتناسل تتحصل منها مفردات مشابهة لها ، الثالث الصنف هو عبارة عن أنواع يمكن أن يوجد فيها بسبب مؤثرات مختلفة أي بسبب تأثير الأقاليم أو بالزراعة أو بتأثير الأرض التي تزرع فيها أو بسبب درجة الحرارة أو الرياح أو ارتفاع المحال التي تنمو فيها اختلافات كثيرة الوضوح أو قليلة تبعدها عن الأنموذج الأصلي ، فكل ما نتج عن ذلك يسمى صنفا فالحنطة أو الكرم أو شجر الكمثرى أو التفاح أو أغلب الخضروات التي تتحصل منها بتأثير الزراعة مثلا زمنا طويلا نباتات متباعدة عن بعضها كثيرا أو قليلا بشكلها الظاهر ، لكنها لم تزل توجد فيها الأوصاف الأكثر أهمية للنوع الذي تنسب إليه ، وهي أصناف كل من الحنطة أو الكرم أو الكمثرى أو التفاح أو نحو ذلك ، وتأثير هذه الأسباب يقع خاصة على المعظم أو اللون أو الأوصاف الأخرى القليلة الأهمية ، ولا يقع على الأصناف النوعية حقيقة ، ففي علم النبات إذا كانت الساق كبيرة جدا أو متوسطة الكبر ، أو كانت الأوراق مختلفة العرض أو مختلفة التجزئة ، وكذا الأزهار إذا كانت مختلفة اللون أو بسيطة أو مزدوجة فكل هذه الأصناف ليست نوعية ، بل تنسب إلى أصناف من نوع واحد ، ولننبه أيضا على أن الأصناف لا تتكاثر على الدوام بواسطة التناسل ، فبزور اللعل الأبيض مثلا يتحصل منها متى نمت نباتات ذات أزهار متلونة كما في النوع الأصلي ، ونباتات ذات أزهار بيض لكنها تكون قليلة ، ومع ذلك فيوجد في النباتات كما في الحيوانات بعض أصناف مثمرة تتولد من بعضها دائما بالأوصاف عينها بواسطة التناسل ، وكذا توجد في النباتات عدة أوصاف تتجدد وتحفظ بواسطة البزور ،