وعند حصول هذا العارض القوي كيف تحدث النارية ، بل نقول : النيران العظيمة تنطفئ بصب الماء عليها والسحاب كله ماء ، فكيف يمكن أن يحدث فيه شعلة ضعيفة نارية؟
(الثالث) : من مذهبكم أن النار الصرفة لا لون لها ألبتة فهب أنه حصلت النارية بسبب قوة المحاكة الحاصلة بأجزاء السحاب فمن أين حدث ذلك اللون الأحمر ، فثبت أن السبب الذي ذكروه بخلاف ذلك ، وإنما أسباب ذلك أمور :
(أولها) : لما خلق الله تعالى السائل الذي تكونت منه الأرض جعل منه عنصرا إشعاعيا ناريا سيالا في غاية اللطافة منتشرا في جميع الأجسام بمقادير مختلفة وله أوصاف وألوان كأوصاف الشمس وألوانها ، وتنشأ عنه أمور عجيبة.
(ثانيها) : أن سبب تكون هذا السائل ينشأ دائما على أسطحة البحار الواسعة المتأثرة دائما من أشعة الشمس ، وذلك السائل دائما يتكون ويصعد إلى الجو كما أن تصاعد البخار من البحار لا ينقطع.
(ثالثها) : أن قوة تولد البخار من الإنبات والبحار في جميع البلدان والفصول واحدة ، بل كلما كانت (٣) لا يستحيل له البخارية أقوى فيهما كان انتشار السائل منهما أعظم ، والبلدان لها فصول توجد فيها المؤتفكات ، ففي أزمنة الاستحالة البخارية ترتفع في الجو أبخرة غزيرة تجتمع وتتقارب وتندمج وتصير سحبا ممزوجة بهذا السائل.
(رابعها) : أنهم قالوا إن سبب ظهوره هو المحاكة وذلك باطل فإن المحاكة لا تكون إلا بالأجسام الصلبة فإن الحكيم القادر جعله ساريا في الأجسام بمقادير كما قلنا ولا يظهر ذلك في الأجسام إلا بأمور :
الأول : الدلك.
والثاني : الحك.
والثالث : الحرارة.
وقد فعلها مرارا أرسطاطاليس في الجواهر الثمينة والنحاس والصوف والتوتيا والقلفونيا والفضة وجلد السنور ، وقد تظهر في بعض أخشاب يابسة كخشب الزيتون.
(النوع الثاني) : من الدلائل المذكورة في هذه الآية قوله تعالى : (وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ) [الرّعد : الآية ١٢].
__________________
(٣) قوله : بل كلما كانت ... إلخ. كذا بالأصل ، والمعنى غير ظاهر لعدم استقامة التركيب. اه.