من السحاب فربما غاصت في البحر ، وأحرقت الحيتان في لجة البحر ، والحكماء بالغوا في وصف قوتها ، ووجه الاستدلال أن البحار البرقي يتكون من أسطحة البحار وغيرها ، ويجتمع في السحاب ويتقارب من بعضه ويندمج فتكون الصاعقة كقوله تعالى : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (١٩)) [البقرة : الآية ١٩]. وفيه أسئلة :
(السؤال الأول) : ما الصيب؟ فالجواب : أنه المطر الذي يصوب أي ينزل من صاب يصوب إذا نزل ، ومنه صوب رأسه إذا أخفضها ، وقيل : إنه من صاب يصوب إذا قصد ، ولا يقال صيب إلا للمطر الجود كان عليه الصلاة والسّلام يقول : «اللهم اجعله صيبا هنيئا». أي مطرا جودا ، وأيضا يقال للسحاب صيب قال الشماخ :
وأسحم دان صادق الرعد صيب
وتنكير صيب لأنه أريد نوع من المطر شديد هائل ، وقرئ (أو كصائب) والصيب أبلغ وأبلغ لسماء هذه المظلة.
(السؤال الثاني) : في قوله : (مِنَ السَّماءِ) [البقرة : الآية ١٩]. ما الفائدة فيه؟ والصيب لا يكون إلا من السماء فالجواب من وجهين :
(الأول) : لو قال أو كصيب فيه ظلمات احتمل أن يكون ذلك الصيب نازلا من بعض جوانب السماء دون بعض ، فلما قال من السماء دل على أنه عام مطبق آخذ بآفاق السماء ، فكما حصل في لفظ الصيب مبالغات من جهة التركيب والتنكير أمد ذلك بأن جعله مطبقا.
(الثاني) : من الناس من قال المطر إنما يحصل من ارتفاع أبخرة رطبة من الأرض إلى الهواء فتنعقد هناك من شدة برد الهواء ، ثم تنزل مرة أخرى فذلك هو المطر كقوله : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) [الفرقان : الآية ٤٨]. وقوله : (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) [النّور : الآية ٤٣].
(السؤال الثالث) : ما الرعد وما البرق؟ فالجواب : الرعد هو الصوت الذي يسمع من السحاب كأن أجرام السماء تضطرب وترتعد إذا حدتها الريح فتصوب عند ذلك من الارتعاد ، والبرق هو الذي يلمع من السحاب من برق الشيء بريقا إذا لمع.
(السؤال الرابع) : الصيب هو المطر أو السحاب فأيهما أريد؟ فما ظلماته؟ الجواب : أما ظلمات السحاب فإذا كان أسحم مطبقا فظلمتا سحمته وتطبيقه مصمومة إليهما ظلمة الليلة.