والجزائر التي تضربها أمواج هذا البحر لم يستغرب إجماع اليونانيين والرومانيين على فضله في المجامع الديانية حتى كان معظما مبجلا في هيكل الزهرة ، وإله الحب في خرافاتهم ، ويدخل في الولائم المفرحة والأعياد العمومية فكانت أغصانه إشارة للحب ، وكان من اللازم عندهم عند إنشاد القصائد العشقية إمساك فرع منه باليد ، ولكن ليست كثرة وجوده فقط هي التي استدعت تفضيله على غيره من الشجيرات بل أيضا رائحته الذكية وخصوصا خضرته الدائمة ، فهذه كلها من الأسباب التي استدعت محبته كما أن الشجيرات الخضر دائما من الصنوبر والتنوب وشبيهة السرو وأغصان البقس هي زينة المجامع الديانية الآن عند الأوروبيين ، وكما أن أوراق النخل من الأشجار المقدسة عند الأوائل من اليهود والنصارى.
(في الخواص والمستحضرات الدوائية)
جميع أجزاء الآس تحتوي على كثير من القواعد القابضة كما تحتوي أيضا على دهن طيار ، وتدل تلك القواعد على أن فيها خواص قابضة ومنبهة ذكر نفعها في كتب الأقرباذين قديما فكان يجهز منها ماء مقطر تستعمله النساء للزينة باسم الماء الملكي ، ويحضر منها أيضا دهن طيار ومرهم نسبوا لهما خواص جليلة بحيث تخيلوا أنه يمكن أن يعاد به للجسم الطبيعي زهوه ومتانته ولونه بعد أن ذبل من مصائب الدهر أو من إفراط الجماع.
(في خواصه الدوائية)
حيث عرف كون الآس عطريا قابضا يكون بموجب ذلك دواء قابضا قويا يستعمل في ضعف المعدة والإسهال والسيلانات البيض والأنزفة ونحو ذلك ، ويستعمل مطبوخه غسلات لتقوية الأعضاء المسترخية ، وما ألطف ما قاله جالينوس كما نقله عنه ابن البيطار من أنه مركب من قوى متضادة والأكثر فيها الجوهر الأرضي البارد وفيه مع هذا شيء حار لطيف فهو مع ذلك يجفف تجفيفا قويا وورقه وقضبانه وثمرته وعصارته ليس بينها في القبض كثير اختلاف ، وقال جالينوس أيضا الورق اليابس من الآس أكثر تجفيفا من الورق الرطب لأن ، ورقه الرطب يخالطه شيء من الرطوبة وأما رب الآس فكما يؤخذ من عصير الورقة يؤخذ من حبه أيضا ، وفي هذا كله قوة حابسة مانعة سواء وضعت على البدن من الخارج أو ردت من الداخل ، لأنه لا يخالطها شيء من القوة المسهلة ولا من القوة الغسالة انته.
وقال ابن سينا : في الأدوية القلبية ومزاج الآس كما يظهر غير مستحكم الامتزاج حتى يعود بطباعه إلى قوة واحدة بل يشبه أن يكون فيه جوهران أحدهما الغالب فيه البرودة والآخر الغالب فيه الحر ، ولم يستحكم فيما بينهما الامتزاج والفعل والانفعال حتى يستقر المزاج على