ويقسمها على جزءين ، ثم يتفرع على أعصاب صغيرة تتجه اتجاهات مختلفة وهي المسماة بالأوردة ، وهذه تكون شبكة الورقة وفي بعض الأحوال هذه الأوعية تخرج من حافة الورقة وتكون شوكا واخزا جدا كما في شرابة الراعي وغيرها ، ووظائف الأوراق كأنها عضو التنفس للنبات ؛ لأنها تشترك في تغذية النبات ، ولو لا ذلك لما صلح غذاء النبات لأنها في الحقيقة تمتص من الجو الأصول المغذية التي توجد فيه فيحصل بواسطتها تأثير عظيم في الأصول المذكورة فتحلل تركيبها وتنوعها بالكلية ، ثم تطرد المواد الغير النافعة للتغذية إلى الخارج فلما وقفت على عناية الخالق في إيجاد تلك الورقة الواحدة علمت أن عنايته في تخليق جملة تلك الشجرة أكمل ، وعرفت أيضا أن عنايته في تكوين جملة النبات أتم ثم إذا عرفت أنه تعالى إنما خلق جملة النبات لمصلحة الحيوان علمت أن عنايته بتخليق الحيوان أكمل وأتم ، ولما علمت وأن المقصود من تخليق جملة الحيوان هو الإنسان عملت أن عنايته بتخليق الإنسان ، أعظم وأكمل وأتم ، ثم إنه تعالى إنما خلق النبات والحيوان في هذا العالم ليكون غذاء ودواء للإنسان بحسب جسده ، والمقصود من تخليق الإنسان هو المعرفة والمحبة والخدمة كما قال تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٥٦) [الذّاريات : الآية ٥٦]. فانظر أيها المسكين بعين رأسك في تلك الورقة الواحدة واعرف كيفية تخليق تلك العروق والأوتار فيها ، ثم انتقل من مرتبة إلى ما فوقها حتى تعرف أن المقصود الأخير منها حصول المعرفة والمحبة في الأرواح البشرية ، فحينئذ ينفتح عليك باب من المكاشفات لا آخر له وفضل الله تعالى وعطاؤه واسع يظهر لك أن أنواع نعم الله تعالى في حقك غير متناهية كما قال تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) [إبراهيم : الآية ٣٤]. وكل ذلك إنما يظهر من التأمل والفحص في كيفية تخليق تلك الورقة من الحبة أو النواة وفي هذا البحث مسائل :
(المسألة الأولى)
في قوله تعالى : (لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً (١٥) وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً (١٦)). (اعلم) أن كل شيء ينبت من الأرض إما أن يكون له ساق ، وإما أن لا يكون له ساق ، فإن لم يكن له ساق ، فإما أن يكون له كمام وهو الحب ، وإما أن لا يكون له كمام وهو الحشيش ، وهو المراد هاهنا بقوله : (وَنَباتاً) [النّبإ : الآية ١٥]. وإلى هذين القسمين الإشارة بقوله تعالى : (كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ) [طه : الآية ٥٤]. وأما الذي له ساق فهو الشجر ، فإذا اجتمع منها شيء كثير سميت جنات فثبت بالدليل العقلي انحصار ما ينبت في الأرض في هذه الأقسام الثلاثة ، وإنما قدم الله تعالى الحب ؛ لأنه هو الأصل في الغذاء ، وإنما ثنى بالنبات لاحتياج سائر الحيوانات إليه ، وإنما أخر الجنات في الذكر ، لأن الحاجة إلى الفواكه ليست ضرورية ، وهاهنا نذكر الفصائل