المحل تمنع تسخينها فتمكث سليمة مدة سنين وتلك الحبوب تتسلط عليها أنواع من الحشرات تتغذى منها وسيما النوع المسمى شرنصون أي سوس القمح ، وفي بعض البلاد يخلط البر بمسحوق الأبخرة ؛ لأجل الحفظ من ذلك الحيوان ، بعضهم أوصى لذلك بغاز الحمض كبريتوز وأبسط الوسائط هو تحريك تلك الحبوب وتذريتها ، ويتجهز من البر بعد الطحن دقيق ونخالة وخبز.
(الدقيق):
هو قاعدة أقل وجودا في النباتات من القاعدة الصمغية اللعابية ، لأن أجزاء الأرض كلها منتشرة بالنباتات اللعابية بخلاف النباتات الدقيقية ، فإنها قليلة اللعابية تنبت بنفسها ، وتتضاعف فيما حولنا بلا نهاية ، وأما الدقيقة فتستدعي الانتباه والفلاحة ، وقد يكون الدقيق في كثير منها مرتبطا بجسم غريب عنه مسهل أو مقيء أو مر ، بل مسم بحيث يلزم تعريته منه قبل استعماله ، ولكن أكثر وجوده في الثمار والجذور والنخاع ، وجميع الأذقة النباتية متماثلة في الطبيعة مهما كان النبات المجهز لها وإنما تختلف في المنظر والصفات كالشكل والغلظ ، كلما كان الدقيق أدق وأنعم كانت عجينته المصنوعة منه ومن الماء أكثف ، وذلك الدقيق جوهر غذائي بالذات عديم الطعم والرائحة أبيض ومكون من حبوب صغيرة مركبة من غشاء محلل وقاعدة قريبة هي النشاء والماء البارد لا تأثير له على غشاء الحبوب وأما المغلي فيمزقه ويذيب مادته الباطنة أعني النشاء ثم إن الدقيق هو قاعدة التدبير الغذائي لجميع القبائل سواء أخذ من البر بأنواعه أو الذرة أو الأرز أو الدخن أو تفاح الأرض أو القسطل أو الحرار الأزلندي أو من نخاع بعض أنواع من النخل أو من بزور البقول أو نحو ذلك ، فإذا استعمل وحده تمثل كله من تأثير الهضم ونتج عنه إمساك ليس حالة مرضية ، وإنما هو ناتج من خاصية الغذاء فيتحول في القناة الهضمية أخيرا إلى كيلوس يتكون عنه أعظم جزء من الأصول المعوضة ، ولذا نرى بنية الأشخاص الذين يتغذون من الأغذية الدقيقية ويهضمونها جيدا ممتلئة بدم ثخين شديدة القوة وحيث كان الدقيق سهل الهضم عذب الطعم مقبول وسيما إذا مزج بالسكر أو باللبن كان مناسبا للأطفال عوضا عن الإرضاع الأمي وللأشخاص الأرقاء المزاج القابلة معدتهم للتهيج ولبعض الناقهين ونسبوا للدقيق خاصية تكثيف الأخلاط فيوصي به لتعويض التركيب الخاص للدم إذا فسد ولكن نتج من تجريبات (بوشرده) أن المصابين بالبول السكري أعني داء الدولاب المسمى بالونانية ديابيطس لا تناسبهم الأغذية التي يدخل فيها الدقيق والسكر وإنما يلزم أن تكون تغذيتهم من الحوم والبيض والأسماك ، ومن البقول الغير الدقيقية كالشكوريا والخس والاسفاناخ ونحو ذلك.