البرق في آن واحد أمكن أن يصاب بالصاعقة في مرورها ، وكثيرا ما يحصل عقب انطلاق الصاعقة سريعا اضطراب في السحب ، ثم تمطر مطرا غزيرا وفي بعض الأحيان يحصل برد يختلف حجمه من حبة الرمان إلى الرمانة الكبيرة أو أعظم ، فقد شوهد منه ما يبلغ وزنه نحو أربعة وعشرين درهما ، وقطر الواحدة من ثلاثة قراريط إلى تسعة ، والغالب أن يكون حبة مستديرا أو بيضيا ، والغالب أن يسبقه مطر عاصفي ، وربما بصاحبه ، ويندر أن يعقبه ، وكل من زنة البرد وقوة اندفاعه بالرياح وسرعة سقوطه ينبئ عن الضرر الذي يحصل منه ، فمتى صدم الأشجار أو الزروع أو الكروم انحنت قضبانها أو انكسرت وسقطت أزهارها وعرت عن ثمارها أو تلفت بالكلية ، وكثيرا ما يحصل للناس من غلظه جروح بالغة أو موت كما أنبأنا الله تعالى بذلك في قوله العزيز : (وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ) [الرّعد : الآية ١٣]. الآية ، وفي قوله الكريم : (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) (٤٤) وهاهنا حكمة عظيمة لا يطلع عليها إلا الراسخون في العلم من أهل الدراية والله ولي الهداية.
(في بيان قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٤)) [الرّوم : الآية ٢٤])
وفي الآية مسائل :
(المسألة الأولى) :
كما قدم السماء على الأرض قدم ما هو من السماء ، وهو البرق والمطر على ما هو من الأرض ، وهو الإنبات والإحياء.
(المسألة الثانية):
كما أن في إنزال المطر وإنبات الشجر منافع كذلك في تقدم البرق والرعد على المطر منفعة ؛ وذلك لأن البرق إذا لاح فالذي لا يكون تحت كنّ يخاف الابتلال فيستعد له ، والذي له صهريج أو مصنع يحتاج إلى الماء أو زرع يسوي مجاري الماء ، وأيضا العرب من أهل البوادي لا يعلمون البلاد المنشأة إن لم يكونوا قدر أو البروق اللائحة من جانب دون جانب.
(واعلم) أن فوائد البرق وإن لم تظهر للمقيمين بالبلاد فهي ظاهرة للبادين ؛ ولهذا جعل