تقديم البرق على تنزيل الماء من السماء نعمة وآية.
وأما كونه آية فظاهر فإن السحاب ليس إلا ماء وهواء.
(المسألة الثالثة) :
قال هاهنا : (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [الجاثية : الآية ٥]. لما كان حدوث الولد من الوالد أمرا عاديا مطردا قليل الاختلاف كأن يتطرق إلى الأوهام العامية. إن ذلك بالطبيعة ؛ لأنه أقرب للطبيعة من المختلف لكن البرق والمطر ليس أمرا مطردا غير مختلف ، ومثل تلك الآثار الجوية النارية إذ تقع ببلدة دون بلدة ، وفي وقت دون وقت ، وتارة تكون قوية ، وتارة تكون ضعيفة فهو أظهر في العقل دلالة على الفاعل المختار.
(ومن الآثار الضوئية الجوية النارية أشياء):
الأول الفجر قال تعالى : (وَالْفَجْرِ (١) وَلَيالٍ عَشْرٍ (٢) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (٤)). [الفجر : الآيات ١ ـ ٤]
(اعلم) أن هذه الأشياء التي أقسم الله بها لا بد وأن يكون فيها فائدة دينية مثل كونها دلائل باهرة على التوحيد أو فائدة دنيوية توجب بعثا على الشكر أو مجموعهما ، ولذلك كثرت الآراء في تفسير هذه الأشياء واختلفت اختلافا شديدا فكل أحد فسره بما رآه أعظم درجة في الدين ، وأكثر منفعة في الدنيا.
أما قوله : (وَالْفَجْرِ (١)) [الفجر : الآية ١]. فذكروا فيه وجوها :
(منها) : ما روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن الفجر هو الصبح المعروف فهو انفجار الصبح الصادق والكاذب ، وأقسم الله به لما يحصل به من انقضاء الليل وظهور الضوء ، فيكون من الصادق انتشار الناس ، وسعي الحيوانات من الطيور والوحوش في طلب الأرزاق ، وذلك مشاكل لنشور الموتى من قبورهم ، وفيه عبر لمن تأمل وهذا كقوله : (وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ (٣٤)) [المدّثّر : الآية ٣٤]. وتمدح في آية أخرى بكونه خالقا له ، فقال تعالى : (فالِقُ الْإِصْباحِ) [الأنعام : الآية ٩٦].
وأما الكاذب ويسمى بالفجر الشمالي فربما كان هو أجمل الآثار الجوية الضوئية بسبب كثرة إضاءته وطول إقامته ، وغريب تشكلاته ، والغالب كونه على هيئة أقواس كثيرة مضيئة تجتاز فيما بينها شعل نارية ، وتسير متجهة نحو نقطة واحدة من السماء ، والاعتبار العظيم فيها