الأحوال التي ذكرناها ، بل ربما كانت موضوعة في أعلى درجة من العلاج ، وذلك أن الأشخاص الذين معهم إصابة عضوية قد لا يكونون مشلولين ، وكذلك الذين حصل لهم شلل قد لا يكون معهم إصابة عضوية في المخ ، فالتغير المخي مثلا ليس علة فاعلة للشلل ، وإنما هو سبب قريب أو محدث له ، فالمنبهات العصبية تؤثر على هذه العلة الفاعلية ، أعني على التأثير الذي يمكن أن يرجع كما كان بكل قوته في الأجزاء المشلولة قهرا عن الآفة العصبية ، وسيما إذا كانت قليلة الاتساع وقليلة التعمق ، والأدوية العصبية كانت أول الأدوية استعمالا ، ويقال : إن أول استعمالها كانت من الظاهر في الجراح فاستعملها أطباء العساكر ملحمة للجراح ومضادة للعفونة ؛ لأن هذه النباتات لما استعملت لتصبير الموتى وحفظ أجسامهم والمنظر والرائحة ، وكانت مستنتجات الجراح منشأ لتصور الموت ولتحاليل التراكيب الجزئية ، وامتد ذلك بالطبيعة لعلاج تلك الأمراض بالوسائط التي تنجح جيدا في الاحتراس على الجثث من الذوبانات العفنة ، ومن المحقق إنه في معظم الأحوال كانت تعالج بها حينئذ تفرقات الاتصال البسيطة المتعرية عن كل صفة خاصة تستدعي دلالة غير الانضمام ، وأن الالتحام المراد تحصيل يعارض بوضع هذه الأجسام الغريبة بين الأسطحة المنقسمة ، أي المنفصلة.
وبالغ الجراحون في الخطر الذي نسبوه للتغيير على الجروح البسيطة بالأدوية الملحمة للجروح والمولدة للحم ، وقالوا : إن التدخينات ببعض الإدهان والزيت ووضع البلاسم والشحوم البلسمية على الجروح الاعتيادية وعلى التمزقات اللحمية ونحو ذلك تعين على التحام بكيفية غريبة ، وتنتج حينئذ نتائج عظيمة من الحرارة التي تستعمل بانتظام في علاج الجروح فإذا يشاهد كما هو مذكور في الخواص العلاجية للحرارة أن الجروح تلتحم بدون التهاب في الغالب ، فلما انتقل استعمال الأدوية من الطب الحربي للطب المدني اشتهر استعمالها عموما لشفاء الجروح الحاصلة من ذاتها وقروح الساق والقلاعات وأوجاع العين ونحو ذلك ، ويلزم أن ينال من ذلك شفاء حقيقي ؛ لأن الغسلات والمراهم والقطرات والمضامض المحضرة من بعض نباتات عطرية ومنبهة تستعمل في أيامنا هذه بنفع في كثير من أحوال شبيهة بذلك كما تستعمل من الباطن أيضا فالأدوية العصبية أدوية خاصيتها إيقاظ التأثير العصبي وحفظه في الأعضاء ، وفي أجهزة الحياة النسبية ، وكانت شهرة نفعها بالأكثر أن توضع مباشرة على نفس الأجزاء العصبية ، كما كانت تنفع غالبا لتحصيل تلك الغاية إذا استعملت من الباطن فتنتج نتائجها بواسطة الدورة والتأثير العصبي ، وامتد أيضا استعمالها من الظاهر لجميع الأوجاع العصبية التي في الأطراف وأعضاء الحس ، فهذا ما نعرفه من المعالجات القديمة وسعة التأثير الذي توافقوا عليه للأدوية المذكورة ، ولأجل أن نذكر بعض