وقد ذكرنا هذا الأدوية تؤثر غالبا بحس الشم فإذا تؤثر فيه بكيفيتين تعينان على نتيجة واحدة ، وذلك الفعل المزدوج يحصل في آن واحد إذا استنشق بالأنف مسحوقات مخية مثل مسحوق المرزنجوش وآذان الجدي المسمى بطونيكا ونحوهما ، وذلك لأن هذه المساحيق بخواصها الطبيعية والكيماوية تسبب انطباعا مهيجا في الغشاء النخامي الممتع بالحساسة العامة التي في الأغشية المخاطية.
ومن المعلوم أن هذا الانطباع يوقظ الإحساسات فينبه جميع الظاهرات المخية ، التي لها ارتباط بالوظائف العقلية وزيادة على ذلك أنها تؤثر بخواصها المريحة القوية المقبولة على حساسية الخاصية الشمية التي في هذا الغشاء فكل يكابد من التصعدات المقبولة تأثيرا قويا على الاستعدادات العقلية والتعقلات التصورية ويقال : إنه ينسب للأول من تلك الانطباعات التنبه البسيط للمخ وتنسب للثاني النتائج المخصوصة اللطيفة المضحكة التي تطلبها قبائل المشرق مع الشراهة لها ، وهذان التأثيران المنعزلان يمكن وجدانهما فالأول يوجد في نغمشة الحفر الأنفية أو رائحة روح النوشادر ومدة الغشي والثاني في الانطباع الملذذ الذي يحمله للحواس استنشاق معطر بمروره على أوارد أو نحوهما ، وهذا الانطباع قد يبلغ إلى الدوار والسكر وسيما إذا كان من رائحة نباتات بلسمية ، وعلى مقتضى ذلك يكون التبغ مخيا قويا وليس الطبيب وحده هو الذي يشتغل بنوع تلك الجواهر ، بل أكثر منه العطريون ؛ لأن الانتفاع بها في الزينة والتحمل أكثر من دخولها في الدلالات العلاجية ، وتدخل المليصا في تركيب كثير من المياه العطرية المخية ، ويدخل استعمالها من الباطن في مثل ما ذكر في استعمال الأدوية العصبية فإذا قرب ما ذكروه من فاعلية الصموغ النتنة في أحوال أخر للخاصية المنسوبة إلى الأدوية المخية كان من العقل ظن أن الرائحة أو التبخيرات المتصاعد في بعض الجواهر النتنة الكريهة لها نتائج على المجموع الغددي مقابلة للنتائج التي تنتجها الرواح المقبولة على المجموع المخي. والطب الأوميوباتيكي ، أي الذي يعالج فيه كل مرض بإحداث مرض آخر صناعي جدد الاستعمال المخي للأدوية لكن بشروط ومطالب خارجة عن صناعة العلاج لبعض الأدوية ، وسيما المليصا فإن التعبير باسمها أقدم من الأونتين وتعريفها يعرف من اسمها ، وهل توجد فاعلات غير الكؤليات تنتج مثلها الفرح والانبساط وتزيل الغم والهم والزعل وتفتح تعقلات الذهن وتوقظ تخيلات ملذذة وغير ذلك؟
(في الاستعمالات الدوائية للمتقدمين):
ذكر كثير من القدماء أن هذا الجوهر من أعظم المفرحات ، وأنه يذهب أنواع الزعل والتخيلات المخية ، وسيما المتولدة عن الأخلاط السوداوية ، وذكر ابن سينا أنه يفرح