الدنيا من الناس ، والمصابيح السرج سميت بها الكواكب والناس يزينون مساجدهم ودورهم بالمصابيح فقيل ولقد زينا سقف الدار التي اجتمعتم بها وفيه بمصابيح أي بمصابيح لا توازيها مصابيحكم إضاءة ، وأما قوله تعالى : (وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ) [الملك : الآية ٥].
(فاعلم) أن الرجوم جمع رجم وهو مصدر سمي به ما يرجم به ، وذكروا في معنى هذه الآية وجهين.
(الأول) : أن الشياطين إذا أرادوا استراق السمع رجموا بها ، فإن قيل جعل الكواكب زينة للسماء يقتضي بقاءها واستمرارها وجعلها رجوما للشياطين ورميهم بها يقتضي زوالها ، والجمع بينهما متناقض. (قلنا) : ليس معنى رجم الشياطين هو أنهم يرمون بأجرام الكواكب ، بل يجوز أن ينفصل من الجو شعل ترمى الشياطين بها كما قدمنا الإشارة إلى ذلك ، وتلك الشعل هي الشهب وما ذاك إلا كقبس يؤخذ من نار والنار باقية.
(والوجه الثاني) : في تفسير كون الكواكب رجوما للشياطين إنا جعلناها ظنونا ورجوما بالغيب لشياطين الإنس وهم الأحكاميون من المنجمين.
(المسألة الثانية) :
اعلم أن ظاهر هذه الآية لا يدل على أن هذه الكواكب في السماء الدنيا ، وذلك لأن السماوات إذا كانت شفافة فالكواكب سواء كانت في السماء الدنيا أو كانت في سماوات أخرى فوقها فهي لا بد وأن تظهر في السماء الدنيا وتلوح منها ، فعلى التقديرين تكون السماء الدنيا مزينة بهذه المصابيح.
(في قوله تعالى :
(وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُبا ً(٨)) [الجنّ : الآية ٨])
اللمس المس فاستعير للطلب لأن الماس طالب متعرف يقال لمسه والتمسه ، ومثله الجس يقال جسوه بأعينهم وتجسسوه ، والمعنى طلبنا بلوغ السماء واستماع كلام أهلها ، والحرس اسم مفرد في معنى الحراس كالخدم في معنى الخدام ، ولذلك وصف بشديدا ولو ذهب إلى معناه لقيل شددا ، وأما قوله تعالى : (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً (٩)) [الجنّ : الآية ٩]. ففي قوله : (رَصَداً.) وجوه :
(أحدها) : قال مقاتل يعني رميا من الشهب ورصدا من الملائكة ، وعلى هذا يجب أن يكون التقدير شهابا ورصدا لأن الرصد غير الشهاب ، وهو اسم جمع لراصد.