ثم عطفت عليه مصدر فعل آخر نصبت المصدر ؛ لأنه قد دل على فعله مثل قولك أفعل وكرامة لأنه لما قال أفعل علم أن الأسماء لا تعطف على الأفعال فكان المعنى أفعل ذلك وأكرمك كرامة. قال ابن عباس : يريد حفظ السماء بالكواكب من كل شيطان مارد يريد الذي تمرد على الله قيل إنه الذي لا يتمكن منه وأصله من الملاسة ، ومنه قوله : (صَرْحٌ مُمَرَّدٌ) [النّمل : الآية ٤٤] ومنه الأمرد وقوله : (مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ) [التّوبة : الآية ١٠١].
(البحث الثاني) :
هذه الشهب هل هي من الكواكب التي زين الله السماء بها أم غيرها فالقسم الأول باطل ؛ لأن هذه الشهب تبطل وتضمحل فلو كانت هذه الشهب تلك الكواكب الحقيقية لوجب أن يظهر نقصان كثير في أعداد كواكب السماء ، ومعلوم أن هذا المعنى لم يوجد البتة فإن أعداد كواكب السماء باقية على حالة واحدة من غير تغير البتة ، وأيضا فجعلها رجوما للشياطين مما يوجب وقوع النقصان في زينة السماء فكان الجمع بين هذين المقصودين كالمتناقض ، وأما القسم الثاني وهو أن يقال : إن هذه الشهب جنس آخر غير الكواكب ، فهذا أيضا مشكل لأنه تعالى قال في سورة تبارك الذي بيده الملك : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ) [الملك : الآية ٥]. فالضمير في قوله : (وَجَعَلْناها) [الأنبياء : الآية ٩١] عائد إلى المصابيح فوجب أن تكون تلك المصابيح هي الرجوم بأعيانها من غير تفاوت.
(والجواب) : أن هذه الشهب غير تلك الثواقب الباقية ، وأما قوله تعالى : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ) [الملك : الآية ٥]. فنقول كل نير يحصل في الجو العالي فهو مصباح لأهل الأرض إلا أن تلك المصابيح منها باقية على وجه الدهر آمنة من التغير والفساد ، ومنها ما لا يكون كذلك وهي هذه الشهب التي يحدثها الله تعالى ويجعلها رجوما للشياطين وبهذا التقدير فقد زال الإشكال.
(المسألة السادسة) :
الشيطان مخلوق من النار قال تعالى حكاية عن إبليس : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ) [الأعراف : الآية ١٢]. وقال : (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ (٢٧)) [الحجر : الآية ٢٧]. وإذا كان كذلك فكيف يعقل إحراق النار بالنار.
(والجواب) : يحتمل أن الشياطين وإن كانوا من النيران إلا أنها نيران ناقصة قابلة للزيادة فإذا ظهرت إلى نيران الشهب لحقت بها بطريقة الجاذبية كالصاعقة وبعض الأبنية العالية