(واعلم) أنه تعالى وصف أولئك الشياطين بصفات ثلاث : الأولى : أنهم لا يسمعون ، والثانية : أنهم يقذفون من كل جانب دحورا ، وفيه قولان :
(الأول) : قال المراد الحور أشد الصغار والذل ، وقال ابن قتيبة : دحرته دحرا ودحورا أي دفعته وطردته.
(الثاني) : في انتصاب قوله : (دُحُوراً) [الصّافات : الآية ٩]. وجوه :
(الأول) : أنه انتصب بالمصدر على معنى يدحرون دحورا ، ودل على الفعل قوله تعالى : (وَيَقْذِفُونَ) [سبإ : الآية ٥٣].
(الثاني) : التقدير ويقذفون للدحور ثم حذف اللام.
(الثالث) : قال مجاهد دحورا مطرودين فعلى هذا هو حال سميت بالمصدر كالرجوع والسجود والحضور.
(المبحث الثالث) :
قرأ أبو عبد الرحمن السلمي (دحورا) [الصافات : الأية ٩] بفتح الدال قال الفراء : كأنه قال يقذفون ويدحرون بم يدحر ، ثم قال لست أشتهي الفتح ؛ لأنه لو وجد ذلك على صحته لكان فيها الباء كما تقول : يقذفون بالحجارة ولا تقول : يقذفون الحجارة إلا أنه جائز في الجملة كما قال الشاعر :
تعالى اللحم للأضياف نيا
أي تعالى باللحم.
(المسألة التاسعة) :
في قوله تعالى : (وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ) [الصّافات : الآية ٩]. والمعنى أنهم مرجومون بالشهب : وهذا العذاب مسلط عليهم على سبيل الدوام ، ثم قال تعالى : (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ) [الصّافات : الآية ١٠]. وهو أخذ الشيء بسرعة وأصل خطف اختطف قال صاحب الكشاف : من في محل الرفع بدل من الواو في لا يسمعون أي يسمع الشياطين إلا الشيطان الذي خطف الخطفة أي اختلس الكلمة على وجه المسارقة فأتبعه يعني : لحقه وأصابه يقال : تبعه وأتبعه إذا مضى في أثره وأتبعه إذا لحقه ، وأصله من قوله : (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ) [الأعراف : الآية ١٧٥]. وقوله تعالى : (شِهابٌ ثاقِبٌ) [الصّافات : الآية ١٠].