وبالاختصار يظهر كأن الكائنات كلها حظيت بحياة جديدة قوية ، وقد غلط من ظن أن أصوات النواقيس ولغط طلق المدافع يشتت الصواعق إذ الغالب أن الحركة المنطبعة في الهواء من اهتزازات الأجسام الرنانة تجذب هذه الصاعقة إليها ، وأنه كثيرا ما يحصل أن الصاعقة تصيب أبراج النواقيس وتهدمها زمن ضربها ، وتحرق السفينة زمن طلقها مدافعها ، ومما يشتت الصواعق القوية جدا المطر الغزير الذي هو موصل جيد للسائل الكهربائي ، فيحصل الموازنة بين الأرض والجو ، ولم يعرف إلى الآن سبب لغط الصاعقة والرعد. هل ذلك بمجرد قعقعة منعكسة من الغمام أو تتابع أصوات متواصلة بينها وبين بعضها مسافة قصيرة أو أن ذلك من مصادمة الهواء الذي يتكون فيه وقت حصول الصاعقة خلو بسبب اتحاد كتلة عظيمة من السائل الناري حيث يحصل ذلك في الطبقات المرتفعة من الجو أو أن ذلك من مصادمة الهواء لشرر كهربائي اجتاز فيه بسرعة قوية بحيث إن حالة اهتزازاته الرنينة وسعتها وشدتها تكون على حسب قوة هذا الأثر المهول ، والذي يظهر لي أن الأخير هو القريب للعقل.
(في قوله تعالى : (فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ) [الصّافات : الآية ١٠])
أي اتبعه ولحق وقرئ (فاتبعه) والشهاب ما يرى منقضا من السماء ثاقب مضيء في الغابة كأنه يثقب الجو بضوئه يرجم به الشياطين إذا صعدوا للجو لاستراق السمع فيقتلهم أو يحرقهم أو يخبلهم.
قالوا : وإنما يعود من يسلم منهم حيا طمعا في السلامة ونيل المراد كراكب السفينة ، ولقائل أن يقول : إنهم إذا صعدوا فإما أن يصلوا إلى مواضع مقصودهم أو إلى غير تلك المواضع فإن وصلوا إلى مواضع مقصودهم احترقوا وإن وصلوا إلى غير مواضع مقصودهم لم يفوزوا بمقصودهم أصلا فعلى كلا التقديرين المقصود غير حاصل ، وإذ حصلت هذه التجربة وثبت بالاستقراء أن الفوز بالمقصود محال وجب أن يمتنعوا عن هذا العمل ، وأن لا يقدموا عليه أصلا بخلاف حال راكب السفينة فإن الغالب عليهمالسلامة والفوز بالمقصود أما هاهنا فالشيطان الذي يسلم من الاحتراق هو الذي لم يصل إلى مواضع المقصود ، وإذا لم يصل إلى تلك المواضع لم يفز بالمقصود فوجب أن لا يعود إلى هذا العمل البتة ، ولأقرب في الجواب أن نقول : هذه الواقعة إنما تتفق في الندرة ، فلعلها لا تشتهر بسبب كونها نادرة بين شياطين الإنس أي المنجمين وشياطين الجن والله سبحانه وتعالى أعلم.
(في بقية الآثار الجوية وتكون الشهب وفيه أمور)
(الأول الضياء المنطقي): هذا الضوء المنسوب لمنطقة البروج نادر في المناطق