وإذا شاهدوا اثنتين أو أكثر سموها بأسماء آلهة كانوا يعترفون بها ، وتتناشد بها شعراؤهم المخرفون والكهربائية هي سبب هذا الحادث.
(الخامس الأكر النارية الشهبية والحجارة الساقطة من الجو)
الأكر النارية هي أعظم ما تستغربه العقول ، وتندهش منه الأفكار وتفزع منه الأفئدة ، وضوؤها الذي ينتشر منها نير لامع كالذي ينتشر من الشمس ، وتختلف أشكاله وشدته ولمعانه لا إلى نهاية عظمها الظاهري تعتريه جميع الأبعاد فيكون من أصغر ما يتصور في الحجم إلى ما يكون قطره قدر بيضة الدجاجة والنعامة ، وتأتي من محل مختلفة من السماء متجهة جهة الأرض ، فتارة تخط بسيرها خطوطا تقرب لأن تكون موازنة لسطح الأرض ، وتارة تسقط راسبة بحيث تقرب للخط القائم على الأرض وتارة تخط أقواسا منحنية ، وزعموا أنهم شاهدوا منها ما يثبت في الجو فيكون شبيها بكرة مرنة مقذوفة بانحراف على جسم صلب فيحصل منه وثبات وقفزات ، ومع ذلك تتبع في سيرها الخط الزاوي أي قطر الشكل للمربع المتوازي الأضلاع.
(في بيان حركة هذه الأكر)
حركة هذه الأكر سريعة جدا ، وشوهدت سرعتها أحيانا تفوق عن ستين ميلا في الثانية ، فتقطع في زمن وجودها وإن كان قصيرا مسافة كبيرة من السماء ، ويظهر كأنها ألهبتها وأوقدت فيها نارا فإذا وصلت إلى نهاية سيرها تتمزق بصوت كالبنب أو الصواريخ ، وتنقسم إلى قطع صغيرة تنطفئ فجأة وتترك في الهواء بخارا خفيفا معتما يتبدد شيئا فشيئا حتى يزول في زمن قصير ، ويسمع عند تمزقها فرقعة وأصوات مرعبة تشبه قوتها صوت طلق جملة مدافع في آن واحد فتزعزع الهواء وتزعج الأرض ، والآثار القديمة المتينة ، وترعب جميع الكائنات ، وبعد غيبوبتها ببعض ثوان بل وقت زوالها بالفعل يسمع في الجو صفير قوي سريع وتسقط على الأرض حجارة تهدم سقوف الأبنية ، بل الغالب أنها تحرقها وتكسر فروع الأشجار وتجرح وتميت الأشخاص والحيوانات التي تقع عليها كقوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (٨٢) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (٨٣)). وفي الآية مسائل.
(المسألة الأولى) :
في الأمر وجهان :
(الأول) : أن المراد من هذا الأمر ما هو ضد النهي ويدل عليه وجوه.