(الأول) : أن لفظ الأمر حقيقة في هذا المعنى مجاز في غيره دفعا للاشتراك.
(الثاني) : أن الأمر لا يمكن حمله هاهنا على العذاب وذلك لأنه تعالى قال : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها) [هود : الآية ٨٢]. وهذا الجعل هو العذاب فدلت هذه الآية على أن هذا الأمر شرط ، والعذاب جزاء ، والشرط غير الجزاء فهذا الأمر غير العذاب ، وكل من قال بذلك قال : إنه هو الأمر الذي هو ضد النهي.
(الثالث) : أنه تعالى قال قبل هذه الآية : (إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ) [هود : الآية ٧٠]. فدل هذا على أنهم كانوا مأمورين من عند الله تعالى بالذهاب إلى قوم لوط ، وبإيصال هذا العذاب إليهم. إذا عرفت هذا فنقول : إنه تعالى أمر جمعا من الملائكة بأن يخربوا تلك المدائن في وقت معين ، فلما جاء ذلك الوقت أقدموا على ذلك العمل فكان قوله : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) [هود : الآية ٦٦]. إشارة إلى ذلك التكليف ، فإن قيل لو كان الأمر كذلك لوجب أن يقال : فلما جاء أمرنا جعلوا عاليها سافلها. لأن الفعل صدر عن ذلك المأمور ، قلنا هذا لا يلزم على مذهبنا لأن فعل العبد فعل الله تعالى عندنا وأيضا إن الذي وقع منهم إنما وقع بأمر الله تعالى وبقدرته فلم يبعد إضافته إلى الله تعالى عزوجل ؛ لأن الفعل ، كما تحسن إضافته إلى المباشر فقد تحسن أيضا إضافته إلى المسبب.
(الوجه الثاني) : أن يكون المراد من الأمر هاهنا قوله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠)) [النّحل : الآية ٤٠]. وهاهنا وجه ثالث وهو أن يكون المراد من الأمر العذاب كما تقدمت الإشارة إليه وعلى هذا التقدير فيحتاج إلى الإضمار والمعنى ولما جاء وقت عذابنا جعلنا عاليها سافلها.
(المسألة الثانية)
اعلم أن ذلك العذاب قد وصفه الله تعالى في هذه الآية بنوعين من الوصف.
(فالأول) : قوله : (جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها) [هود : الآية ٨٢]. روي أن جبريل عليهالسلام أدخل جناحه الواحد تحت مدائن قوم لوط وقلعها وصعد بها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نهيق الحمير ونباح الكلاب وصياح الديوك ، ولم تنكفئ لهم جرة ، ولم ينكب لهم إناء ، ثم قلبها دفعة واحدة وضرب بها الأرض.
(واعلم) أن هذا العمل كان معجزة قاهرة من وجهين.
(أحدهما) : أن قلع الأرض وإصعادها إلى قريب السماء فعل خارق للعادة.