ضيق ووقع على جسم بعيد عن ذلك الثقب بمسافة ، ثم أبعد عنه بمسافة ضعف المسافة الأولى زادت سعة السطح المستنير عما كانت أربع مرات ، ونقصت قوة الضوء عما كانت مثلها. وذلك لأن الضوء لم تزد كميته ، بل انتشر في مساحة قدر الأولى أربع مرات فضعفت قوته ، والأجسام الغير النيرة في ذاتها على ثلاثة أقسام.
(الأول) : الأجسام المعتمة ، وهي التي لا ينفذ منها الضوء ، والقول بأن عتامتها آتية من كثافة أجزائها أحسن من القول بأنها من طبيعتها لأنها إذا رققت جدا نفذ الضوء منها ، وإذا ألصقت ورقة مرققة من الذهب على جسم زجاجي شوهد منها ضوء مائل للخضرة إذا نظر من خلفها الشمس أو المصباح.
(الثاني) : الأجسام الشفافة وهي التي ينفذ منها الضوء ولا تحجب ما وراءها فيرى ما خلفها أتم الرؤية ، وهذه إن غلظ حجمها جدا تلونت ، لأنها تشرب حينئذ جزءا من الضوء النافذ بها فلذا تجد الماء القليل صافيا والماء الكثير أزرق أو أخضر ، وإذا وقف الإنسان في عمق بحر وكان البحر صافيا جدا ، وفوقه مائة وخمسون قدما من الماء شاهد ضوء الشمس كضوء القمر على الأرض لا يزيد عنه بشيء.
(الثالث) : الأجسام النصف شفافة أعني التي بين الشفافة والمعتمة وهي التي ينفذ فيها بعض الضوء ولا تشاهد من خلفها ألوان المرئيات ولا أشكالها ولا أبعادها كالورق المدهون بالزيت والزجاج الخشن ، فالأجسام المعتمة إذا صادفها الضوء في سيره على الخط المستقيم كما ذكرنا لا يستنير منها إلا ما كان جهة الضوء ، والجهة المقابلة يوجد فيها ظل تلك الأجسام ، ويمتد بعيدا عنها إلى مسافة ما وكلما اشتد الضوء زادت قتامة الظل ، والظل المذكور لا ينتهي من جميع الجوانب بحد قطعي تام يظهر في جوانبه خيال ظلي يأخذ في الضعف حتى ينتهي ، وهذا الخيال يسمى بالغبش.
(المسألة الخامسة) :
اعلم أن الناس اختلفوا في أن الشعاع الفائض من الشمس هل هو جسم أو عرض؟ والحق أنه عرض ، وهو كيفية مخصوصة ، وإذا ثبت أنه عرض فهل حدوثه في هذا العالم بتأثير قرص الشمس؟ أو لأجل أن الله تعالى أجرى عادته بخلق هذه الأجرام المقابلة لقرص الشمس بتأثيرها فيهم على سبيل العادة. فهي مباحث عميقة ، وإنما يليق الاستقصاء فيها بعلوم المعقولات ، وإذا عرفت هذا فنقول النور اسم لأصل هذا الكيفية ، وأما الضوء فهو اسم لهذه الكيفية إذا كانت كاملة تامة قوية ، والدليل عليه أنه تعالى سمى الكيفية القائمة بالشمس ضياء ،