والكيفية القائمة بالقمر نورا وشك أن الكيفية القائمة بالشمس أقوى وأكمل من الكيفية القائمة بالقمر ، وقال تعالى في موضع آخر : (وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً) [الفرقان : الآية ٦١]. وقال في آية أخرى : (وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً (١٣)) [النّبإ : الآية ١٣]. فكلام أهل اللغة مضطرب في تفسير الوهاج فمنهم من قال الوهج مجتمع الضوء والحرارة فبين الله تعالى أن الشمس بالغة إلى أقصى الغايات في هذين الوصفين ، وهو المراد بكونها (سِراجاً وَهَّاجاً) [النّبإ : الآية ١٣]. وروى الكلبي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن الوهاج مبالغة في الضوء فقط. يقال للجوهر إذا تلألأ توهج ، وهذا يدل على أن الوهاج يفيد الكمال في الضوء ، وفي «كتاب الخليل» الوهج حر النار والشمس وهذا يقتضي أن الوهاج هو البالغ في الحر ، وأما كلام أهل الهيئة فمضطرب أيضا فمعظمه سطح الشمس المشاهد لنا مغطى ببقع ونكت تختلف في العدد والقدر ، ومع ذلك فالظاهر أنها لا تأثير لها في عظم الضوء ، ولا في الحرارة المنبعثين إلينا في ذلك ، وهل الشمس جرم مشتعل مسلط عليه ثوران شديد؟ أو أنها كما قال بعضهم : كوكب مضيء مسكون بسكان يستضيؤون بغمام ملتهب نير ، أو أنها كما قال بعض متأخري الطبيعيين : مؤلفة من طبقات متحدة المركز مختلفة الطبيعة يؤثر بعضها في بعض كما يحصل ذلك في صفحات العمود الكهربائي ، أو أنها كرة عظيمة من ساءل كهربائي متجمع تحدث قوته الجاذبة والدافعة في أجرام الكواكب معنى غير محسوس يسمى الجاذبية أو التثاقل العمومي ، ومعارفنا لم تزل إلى الآن قاصرة على تحقيق ما هو الأجدر من هذه الأقوال بالصحة.
(المسألة السادسة) :
قوله قدره منازل نظيره قوله تعالى في سورة يس : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) [يس : الآية ٣٩]. وفيه وجهان :
(أحدهما) : أن يكون المعنى وقدر مسيره منازل.
(والثاني) : أن يكون المعنى وقدره ذا منازل ، والضمير في قوله : (قَدَرُهُ) [البقرة : الآية ٢٣٦]. وفيه وجهان :
(الأول) : أنه لهما ، وإنما وحد الضمير للإيجاز وإلا فهو في معنى التثنية اكتفاء بالمعلوم لأن عدد السنين والحساب إنما يعرف بسير الشمس والقمر ، ونظيره قوله تعالى : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) [التّوبة : الآية ٦٢].
(والثاني) : أن يكون هذا الضمير راجعا إلى القمر وحده لأنه بسير القمر تعرف الشهور