الأول والشتاء في الثاني ، وهذا هو المسمى بالمنقلب الشتوي ، فهذه أربعة أزمنة ناشئة عن أوصاف الأرض الأربعة بالنسبة للشمس ، وبها انقسمت السنة أربعة فصول ، وليست هذه الفصول مستوية المدة فإن الربيع يمكث نحو اثنين وتسعين يوما وإحدى وعشرين ساعة وستة عشر دقيقة ويمكث الصيف نحو ثلاثة وتسعين يوما وثلاث عشرة ساعة وثلاثا وخمسين دقيقة ، ويمكث الخريف نحو سبعة وثمانين يوما وسبع عشرة ساعة وثمانية دقائق ، ويمكث الشتاء تسعة وثمانين يوما وساعة واحدة وثلاثين دقيقة.
(المسألة الثامنة) :
لما تبين أن دائرة الاستواء الأرضية تتجه في زمنين مختلفين إلى الشمس من السنة وهما الانقلابان داما في الزمانين الأخيرين في السنة ، وهما الاعتدالان ، وبهذه الحركة تنفصل السنة إلى الفصول الأربعة ، وبالفصول الأربعة تنتظم مصالح هذا العالم ، وبسبب الحركة العمومية يحصل النهار والليل ، فالنهار يكون زمانا للتكسب والطلب ، والليل يكون زمانا للراحة وقد استقصينا في منافع الشمس والقمر في تفسير الآيات الشريفة اللائقة بها فيما سلف وكل ذلك يدل على كثرة رحمة الله تعالى على الخلق وعظم عنايته بهم ، فإنا قد دللنا على أن الأجسام متساوية ، ومتى كان كذلك كان اختصاص كل جسم بشكله المعين ووضعه المعين وحيزه المعين وصفته المعينة ليس إلا بتدبير مدبر حكيم قادر قاهر ، وذلك يدل على أن جميع المنافع الحاصلة في هذه العوالم بسبب حركات الأفلاك ، وبسير الشمس والقمر والكواكب المتعلقة بالحركة المستوية ، فدائرة وسط فلك البروج هي دائرة عظمى مائلة على خط الاستواء بثلاث وعشرين درجة ونصف ، وهذه الدائرة تمتد إلى دائرتين متوازيتين موضوع كل منهما على البعد بثلاث وعشرين درجة ونصف من دائرة الاستواء ، وهاتان الدائرتان تسميان بالمدارين ، وهما يدلان على موضع الشمس الذي تنتهي إليه في الصعود ، ثم تهبط إلى مثل محلها الذي صعدت منه وهكذا ، وأما الدائرتان القطبيتان فهما على البعد من القطب بثلاث وعشرين درجة ونصف ، وهما ما يكون عليهما النهار الدائم أو الليل الدائم مدة كون الشمس في نقطتي الانقلابين ، ثم إن المدراين ودائرتي القطب يقسمان الأرض إلى خمس مناطق ، منطقة شديدة الحرارة ومنطقتان معتدلتان ، ومنطقتان شديدتا البرودة ، فالأولى هي ما بين المدارين أشد الأماكن حرا بسبب وجود الشمس دائما في سمت بعض نقطتها ، ويسمى أهلها أرباب الظلين ، لأن الشمس في وجودها في نصف النهار تنبعث أشعتها في تلك المواضع ستة أشهر جهة الشمال ، وفي الستة أشهر الأخرى يمتد الشعاع جهة الجنوب ، والثانية والثالثة كل منهما هو بين أحد المدارين ودائرة قطبية ، ولا تكون الشمس في سمت رأس أهلهما أبدا فيسمى