أهلهما أرباب اختلاف الظل ، لأن أرباب المنطقة المعتدلة الشمالية يرون الشمس في الجنوب ، وأرباب المنطقة المعتدلة الجنوبية يرونها في الشمال ، وأما الرابعة والخامسة فإحداهما من مبتدأ الدائرة القطبية الشمالية إلى القطب الشمالي ، والأخرى من مبتدأ الدائرة القطبية الجنوبية إلى القطب الجنوبي ، وفيهما غاية اشتداد البرودة ، ويسمى أهلهما أرباب الظل الدوار ، لأن الظل في زمن صيفهم يدور حولهم.
(واعلم) أنه يوجد في الكرة السماوية دوائر أنصاف النهار ، ودوائر متوازية ودائرة معدل النهار ودائرة وسط فلك البروج ، وهذه الدائرة الأخيرة هي دائرة وسط فلك البروج الذي هو منطقة منتهية بدائرتين متوازيتين لدائرة وسط فلك البروج ، وعرض هذه المنطقة نحو سبع عشرة درجة ، وفيها سائر الدوائر التي تمر فيها الكواكب ، ثم إن منطقة فلك البروج منقسمة إلى اثني عشر برجا ، وكل برج ثلاثون درجة وفي كل برج جملة من الكواكب ، ثم إن الشمس تقطع بسيرها في كل فصل من فصول السنة ثلاثة بروج للربيع الحمل والثور والجوزاء ، وللصيف السرطان والأسد والسنبلة ، وللخريف الميزان والعقرب والقوس ، وللشتاء الجدي والدلو والحوت كما قال تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (٥) [يونس : الآية ٥].
(المسألة التاسعة) :
ما يكون عليه الليل والنهار ، إن دائرة الاستواء مستوى الليل والنهار في سائر أيام السنة ، وكلما حصل التباعد عن هذه الدائرة جهة الشمال والجنوب طال نهار الصيف وليل الشتاء بحسب كيفية البعد قلة وكثرة فأعظم طول النهار في دائرة القطب أربع وعشرون ساعة ، وأعظم طوله إلى نفس القطب يكون من أربع وعشرين ساعة إلى ستة أشهر على حسب قرب الأقاليم وبعدها كقوله تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨)). معناه نسلخ النهار من الليل أي نميزه منه يقال انسلخ النهار من الليل إذا أتى آخر النهار ودخل أول الليل وسلخه الله منه فانسلخ هو منه ، وأما إذا استعمل بغير كلمة من فقيل : سلخت النهار أو الشمس فمعناه دخلت في آخره ، فإن قيل فالليل في نفسه آية فأية حاجة إلى قوله نسلخ منه النهار ، فنقول : الشيء يتبين بضده منافعه ومحاسنه ، ولهذا لم يجعل الله تعالى الليل وحده آية في موضع من المواضع إلا وذكر آيات النهار معها ، وقوله : (فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) [يس : الآية ٣٧]. أي داخلون في الظلام وإذا للمفاجأة أي ليس بيدهم بعد ذلك أمر ولا بد لهم من الدخول فيه.