(المسألة العاشرة) :
في قوله تعالى : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨)) [يس : الآية ٣٨]. يحتمل أن يكون الواو للعطف على الليل تقديره وآية لهم الليل نسلخ منه النهار والشمس تجري ، والقمر قدرناه فهي كلها آية وقوله : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي) [يس : الآية ٣٨]. إشارة إلى سبب سلخ النهار فإنها تجري لمستقر لها ، وهو وقت الغروب فينسلخ النهار وفائدة ذكر السبب هو أن الله تعالى لما قال نسلخ منه النهار وكان غير بعيد من الجهال أن يقول قائل منهم : سلخ النهار ليس من الله إنما سلخ النهار بغروب الشمس فقال تعالى : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) [يس : الآية ٣٨]. بأمر الله تعالى فمغرب الشمس سالخ للنهار فبذكر السبب يتبين صحة الدعوى ، ويحتمل أن يقال بأن قوله : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) [يس : الآية ٣٨]. إشارة إلى أن نعمة النهار بعد الليل كأنه تعالى لما قال : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) [يس : الآية ٣٧]. ذكر أن الشمس تجري فتطلع عند انقضاء الليل فيعود النهار بمنافعه فقوله : (لِمُسْتَقَرٍّ) [يس : الآية ٣٨]. اللام يحتمل أن تكون للوقت كقوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) [الإسراء : الآية ٧٨]. وقوله تعالى : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) [الطّلاق : الآية ١]. ووجه استعمال اللام للوقت هو أن اللام المكسورة في الأسماء لتحقيق معنى الإضافة ، لكن إضافة الفعل إلى سببه أحسن الإضافات ؛ لأن الإضافة لتعريف المضاف بالمضاف إليه كما في قوله : دار زيد لكن الفعل يعرف بسببه فيقال : اتجر للربح واشترى للأكل ، وإذا علم أن اللام تستعمل للوقت فنقول : وقت الشيء شبه سبب الشيء ، لأن الوقت يأتي بالأمر الكائن فيه ، والأمور معلقة بأوقاتها فيقال خرج لعشر من كذا وأقم الصلاة لدلوك الشمس ، لأن الوقت معروف كالسبب وعلى هذا فمعناه تجري الشمس وقت استقرارها ، ويحتمل أن تكون بمعنى إلى أي إلى مستقر لها ، وتقديره هو أن اللام تذكر للوقت وللوقت طرفان : ابتداء وانتهاء يقال : سرت من الجمعة إلى يوم الخميس فجاز استعمال ما ستعمل فيه من أحد طرفيه لما بينهما من الاتصال ، ويؤيد هذا قراءة من قرأ (والشمس تجري إلى مستقر لها) وعلى هذا ففي ذلك المستقر وجوه.
(الأول) : مستقرة في مكانها ، ولها جريان على نفسها وجريان آخر حتى تعود لما ابتدأت منه.
(الثاني) : الليل أي تجري إلى الليل.
(الثالث) : أن ذلك المستقر ليس إلى زمان بل هو للمكان وحينئذ ففيه وجوه.