تعالى : (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) [يس : الآية ٤٠]. أن الشمس تدور على نفسها في خمسة وعشرين يوما واثنتي عشرة ساعة ، وقد استنبطها بعض أصحاب الميقات من تحول كلف الشمس الذي يظهر على ظهرها ورجوعه في أزمنة مخصوصة ، ولها دورة أخرى حول شيء (٨) ، وخلق الله تعالى الكواكب السيارة كل واحد منها له حركتان : إحداهما تحرك الكوكب على نفسه ، والأخرى تحركه حول الشمس ، وبهذه الدورة لا يسبق كوكب كوكبا أصلا ؛ لأن كل كوكب من الكواكب إذا طلع غرب مقابلة ، وكلما تقدم كوكب إلى الموضع الذي فيه الكوكب الآخر بالنسبة إلينا تقدم ذلك الكوكب فهذه الحركة لا يسبق القمر الشمس ، فتبين أن سلطان الليل يسبق سلطان النهار ، فالمراد من الليل القمر ومن النهار الشمس ، فقوله : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) [يس : الآية ٤٠]. إشارة إلى حركتها على نفسها وحركتها الأخرى أي الحركة السنوية وبعدنا وقربنا منها وقوله : (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) [يس : الآية ٤٠]. إشارة إلى الحركة اليومية وفيه مسائل :
(المسألة الأولى)
ما الحكمة في إطلاق الليل وإرادة سلطانه وهو القمر؟ وما ذا يكون لو قال ولا القمر سابق الشمس؟ نقول لو قال ولا القمر سابق الشمس ما كان يفهم أن الإشارة إلى الحركة اليومية فكان يتوهم التناقض فإن الشمس جعل تعالى لها دورانين فمن ذلك جعل الكواكب السيارة لها دورتين دورة القرب والبعد الذي خلق منها الفصول الأربعة ، ودورة على نفسها خلق منها تعالى النهار والليل ، فقال : الليل والنهار ليعلم أن الإشارة إلى الحركة التي بها تتم الدورة في مدة يوم وليلة ، ويكون لجميع الكواكب أو عليها طلوع وغروب وشروق في الليل والنهار.
(المسألة الثانية)
ما الفائدة في قوله تعالى : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ) [يس : الآية ٤٠]. بصيغة الفعل ، وقوله : (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) [يس : الآية ٤٠]. بصيغة اسم الفاعل ولم يقل ولا الليل يسبق ولا قال مدركة القمر. نقول : الحركتان الأوليان اللتان للشمس لا تدرك بهما القمر مختصتان بالشمس فجعلهما كالصادرتين منها ، وذكر بصيغة الفعل لأن صيغة الفعل لا تطلق على من لا يصدر منه الفعل فلا يقال : هو يخيط إلا أن يكون يصدر منه الخياطة ،
__________________
(٨) قوله : حول شيء كذا بالأصل وهو غير ظاهر. اه.