والحركة الثالثة هي التي وقع منها الجذب والدفع ، فالأول نشأ منه القرب والبعد ، والثاني نشأ منه الحركة اليومية ، فهاتان الحركتان ليستا مختصتين بكوكب من الكواكب السيارة ، بل الكل فيهما مشترك فالحركة ليست كالصادرة منه فأطلق اسم الفاعل لأنه لا يستلزم صدور الفعل يقال فلان خائط وإن لم يكن خياطا.
(المسألة الثالثة)
فإن قيل قوله تعالى : (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً) [الأعراف : الآية ٥٤]. يدل على خلاف ما ذكرتم ؛ لأن النهار إذا كان يطلب الليل فالليل سابق ، وقلتم : إن قوله : (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) [يس : الآية ٤٠]. معناه ما ذكرتم كما تقدم فيكون الليل سابقا ولا يكون سابقا قلنا : قد ذكرنا أن المراد بالليل هاهنا سلطان الليل وهو القمر ، وهو لا يسبق الشمس بالحركة ، والمراد من الليل نفس الليل وكل واحد لما كان في عقيب الآخر فكأنه طالبه.
(المسألة الرابعة)
فإن قيل : لم ذكر هاهنا سابق النهار ، وقد ذكر هناك يطلبه ، ولم يقل طالبه ، قلنا : ذلك لما بينا من أن المراد في هذه الآيات من الليل كواكب الليل ، وهي الكواكب السيارة المختصة بحركة البعد والقرب وهي الحركة السنوية وبالحركة على نفسها وهي الحركة اليومية ، وهما زمانان والزمان لا قرار له فهو يطلب حثيثا لصدور التفصي منه.
(المسألة الرابعة عشر)
قوله تعالى : (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [يس : الآية ٤٠]. يحقق ما ذكرناه أي لكل طلوع وغروب وشروق في يوم وليلة لا يسبق بعضها بعضا بالنسبة لهذه الحركة ، وكل حركة في فلك تخصه وفيه وجوه :
(الوجه الأول) : التنوين في قوله : (وَكُلَ) [النّبإ : الآية ٢٩]. عوض عن الإضافة معناه كل واحد ، وإسقاط التنوين للإضافة حتى لا يجتمع التعريف والتنكير في شيء واحد ، فلما سقط المضاف إليه لفظا ، رد التنوين عليه لفظا وهو في المعنى معرف بالإضافة (فإن قيل) : فهل يختلف الأمر عند الإضافة لفظها وتركها؟ فنقول : نعم وذلك لأن قول القائل كل واحد من الناس كذا لا يذهب الفهم إلى غيرهم فيفيد اقتصار الفهم عليه فإذا قال كل كذا يدخل في الفهم عموم أكثر من العموم عند الإضافة ، وهذا كما قبل وبعد إذا قلت أفعل قبل كذا أفاد فهم الفعل قبل شيء مخصوص ، فإذا حذفت المضاف وقلت : أفعل قبل أفاد فهم الفعل قبل