تنقطع هذه الحركات ، وتبطل تلك السيرات كما وصف الله تعالى ذلك بقوله : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢)). وقوله : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (١)) [الانشقاق : الآية ١]. وقوله : (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (١)) [الانفطار : الآية ١]. وجمع الشمس والقمر وهو كقوله سبحانه وتعالى : (ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) [الأنعام : الآية ٢]. ثم إنه تعالى لما ذكر هذه الدلائل قال : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) [يونس : الآية ٣]. وكل واحد من المفسرين حمل هذا على تدبير نوع آخر من أحوال العالم ، والأولى حمله على الكل فهو يدبرهم بالإيجاد والإعدام وبالأحياز الأمانة ، وبالإغناء والإفقار ، ويدخل فيه إنزال الوحي ، وبعثة الرسل عليهمالسلام ، وتكليف العباد وفيه دليل عجيب على كمال القدرة والرحمة ؛ وذلك لأن هذا العالم المعلوم من أعلى العرش إلى ما تحت الثرى أنواع وأجناس لا يحيط بها إلا الله تعالى ، والدليل المذكور دل على أن اختصاص كل واحد منها بوضعه وموضعه وصفته وطبيعته وجليته ليس إلا من الله تعالى ، ومن المعلوم أن كل من اشتغل بتدبير شيء فإنه لا يمكنه تدبير شيء آخر إلا الباري تعالى فإنه لا يشغله شأن عن شأن أما العاقل فإذا تأمل في هذه الآية الشريفة علم أنه تعالى يدبر عالم الأجسام وعالم الأرواح ، ويدبر الكبير كما يدبر الصغير ، فلا يشغله شأن عن شأن ، ولا يمنعه تدبير عن تدبير ، وذلك يدل على أنه تعالى في ذاته وصفاته وعلمه وقدرته غير مشابه للمحدثات والممكنات ، ثم قال تعالى : (يُفَصِّلُ الْآياتِ) [يونس : الآية ٥]. وفيه قولان :
(الأول) : أنه تعالى بين الآيات الدالة على إلهيته وعلمه وحكمته.
(والثاني) : أن الدلائل الدالة على وجود الصانع قسمان :
(أحدهما) : الموجودات الباقية الدائمة كالأفلاك والشمس والقمر والكواكب ، وهذا النوع من الدلائل هو الذي تقدم ذكره.
(والثاني) : الموجودات الحادثة المتغيرة ، وهي الموت بعد الحياة ، والفقر بعد الغنى ، والهرم بعد الصحة ، وكون الأحمق في أهنأ العيش ، والعاقل الذكي في أشد الأحوال ، فهذا النوع من الموجودات والأحوال دلالتها على وجود الصانع الحكيم ظاهرة باهرة ، وقوله : (يُفَصِّلُ الْآياتِ) [يونس : الآية ٥]. إشارة إلى أنه يحدث بعضها عقيب بعض على سبيل التميز والتفصيل ، ثم قال : (لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) [الرّعد : الآية ٢].
(واعلم) أن الدلائل المذكورة كما تدل على وجود الصانع الحكيم فهي أيضا تدل على صحة القول بالحشر والنشر ؛ لأن من قدر على خلق هذه الأشياء على عظمها وكثرتها فلأن