يقدر على الحشر والنشر أولى ، يروى أن رجلا قال لعلي بن أبي طالب ـ رضي الله تعالى عنه ـ إنه تعالى كيف يحاسب الخلق دفعة واحدة فقال كما يرزقهم الآن دفعة واحدة ، وكما يسمع نداءهم ويجيب دعاءهم الآن دفعة واحدة ، وكما خلق الأجرام السماوية وخلق حركاتهم دفعة واحدة ، وحاصل الكلام (٩) أنه تعالي كما قدر على إبقاء الأجرام الفلكية والنيرات الكوكبية في الجو العالي ، وإن كان الخلق جزيت عنه ، وكما يمكنه أن يدبر من فوق العرش إلى ما تحت الثرى بحيث لا يشغله شأن عن شأن.
(في بيان قوله تعالى :
(الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (٥) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (٦)). فيه مسائل):
(المسألة الأولى) :
اعلم أن الله تعالى لما بين أن كونه خالقا لجميع الأجرام وعين حيزها في الفضاء وعين خطوط دوائرها للنفع والانتفاع ذكر أن من المعلومات نعمتين ظاهرتين هما أظهر أنواع النعم السماوية ، وهما الشمس والقمر ، ولو لا الشمس لما زالت الظلمة ولما بقيت حياة الكائنات ، ولو لا القمر لفات كثير من النعم الظاهر بخلاف غيرهما من الكواكب فإن نعمها لا تظهر لكل أحد مثل ما نظمهم نعمتهم ثم بين كمال نفعهما في حركتهما بحساب لا يتغير ، وذلك أن الشمس يحصل من سيرها الظاهري المائل حول الأرض الفصول الأربعة التي لا تحصل عند سكان ما بين المدارين ، وتكون اثنين فقط جهة القطبين.
أما في المناطق المعتدلة فهي أربعة ، وتكون أدوارها منتظمة فتنتشر في تلك المناطق ، ومقياس الزمن الذي لا يختل نسقه ولا يتعطل سيره إنما يؤخذ من كونها تحرك جميع ما هو معرض لتأثيرها حركة لا تتغير ، وقد قسمت منطقة البروج إلى اثنى عشر قسما كما قلنا : وكل قسم منها ثلاثون درجة ، ومن سير الشمس بحسب الظاهر في هذه الأقسام تحصل الفصول الأربعة ومددها ، وذلك أن هذه الكواكب بتركها النصف الجنوبي من الكرة ، ودخولها في نصفها الشمالي تنفتح السنة الشمسية أعني بمجرد دخولها في برج الحمل ، وفي ذلك الوقت يبتدئ الربيع الذي يحيا به الكون ، ويستمر تسلطن هذا الفصل مدة اجتياز البرج المذكور وبرج الثور والجوزاء ، ثم تدخل على التعاقب في السرطان والأسد والسنبلة ، وهذه تسمى بفصل الصيف فينبعث إلينا منها مدة إقامتها في تلك البروج أشعة شديدة الحرارة ، ثم بعد بلوغها هذا
__________________
(٩) قوله : وحاصل الكلام ... إلخ. كذا بالأصل والتركيب غير مستقيم. اه.