الارتفاع تنزل جهة النصف الجنوبي فتجتاز على التوالي الميزان والعقرب والقوس ، ويقال لهذه البروج الثلاثة فصل الخريف ، ثم يدخل الشتاء فتكون الشمس حينئذ في أبعد نقطة عنا ولا ينبعث منهما إلينا إلا أشعة مائلة فتقطع بروجه الثلاثة أعني الجدي والدلو والحوت ، ثم ترجع لمحلها الأول :
(ومن النعمتين) : نعمة القمر الذي هو كوكب الليل وسراجه ، ويشاهد في هيآت مختلفة كثيرا ، وهو جرم مظلم كروي كالكواكب السيارة له حركات إحداهما حول محوره.
وثانيتهما : حول الأرض ، ويقطع مداره حول الأرض في تسعة وعشرين يوما ونصف تقريبا ، وهي تسعة وعشرين يوما واثنا عشرة ساعة وأربعة وأربعون دقيقة وثانيتان وثمانية ثوالث ، وهذا هو المسمى بالشهر القمري ، ويتمم دورته على محوره في سبعة وعشرين يوما ونصف تقريبا ، ويتأخر طلوعه على الأفق كل يوم خمسين دقيقة ونصف هذا هو الحد الأوسط والسنة الأرضية اثنا عشر شهرا قمريا ، وأحد عشر يوما ، ويبتدئ دور انتظام الأشهر القمرية بعد كل تسعة عشرة سنة تقريبا أو مائتين وخمسة وثلاثين شهرا قمريا ، وهو كما ذكرنا يستفيد نوره من نور الشمس فيقابلها بجميع أوجهه جزء فجزأ ولا تشاهد بمقتضى حركاته إلا نصف كرته فقط ، ولا يتغير ذلك النصف أصلا في كل مرة ، فتارة يستضيء كله وتارة بعضه ومن هذه التغيرات ينشأ ما يسمى بأوجه القمر وهي أربعة : القمر الجديد المسمى بالمحاق ، والقمر الممتلئ أي الكامل المسمى بالبدر والربع الأول والربع الأخير فإذا كانت الأرض بين الشمس والقمر ، وكان هناك استقبال وإذا كان القمر بين الشمس والأرض كان هناك اجتماع ، وإذا كان القمر في وسط المسافة بين محل الاستقبال والاجتماع أعني بعيدا عن كل منهما بتسعين درجة كان هناك تربيع ، والقمر حينئذ يكون إما في ربعه الأول ، وإما في ربعه الأخير ، ثم هو في دورته حول الأرض يخط قطعا ناقصا ، والنقطة التي يكون فيها أقرب إلى الأرض تسمى حضيضا ، والتي يكون فيها أبعد عنها تسمى أوجا ومدار القمر الذي يخطه حول الأرض ، ويكون على شكل قطع ناقص مائل عن دائرة وسط فلك البروج المسماة بالدائرة الكسوفية بخمس درج فالقمر غالبا يكون فوق هذه الدائرة أو تحتها ، ولا يمكن مشاهدة الخسوف إلا إذا كان القمر على تلك الدائرة مباشرة ، وكل من الخسوف والكسوف قد يكون كليا وقد يكون جزئيا على حسب ستر الكواكب عنا كلا أو بعضا ، ولا نشاهد الكسوفات الشمسية إلا في بعض أقطار الأرض وتكون كلية وجزئية وحلقية بخلاف الكسوف القمرية فإنه يشاهدها من كان القمر إذ ذاك فوق أفقهم ، ولا تكون حلقية أصلا ويشاهد في سطح القمر نكت كثيرة لا تتغير ولا تختلف كميتها ولا مقاديرها ، ومن ذلك استنتج ما ذكرناه من أننا لا نشاهد دائما إلا نصفه