قل وجميع المهيجات التي تهيج انسجة الحيوانات تهيج أيضا أعضاء النبات أو تميته إذا عرفت ذلك علمت أن كل ما أثر في الحيوانات أثر في النبات حتى النخس فعلى هذا لو نخست أعضاء التذكير من نبات التين الشوكي أو غيره بابرة ولو رقيقة جدا يشاهد في العضو المنخوس تقلصات وحركات أشد من حركات الاضطراب ، فالحكيم المخصص الذي خصص هذه النباتات من النعم بالأزهار والإثمار والبذور والسكر والصموغ والأدوية النافعة والمسمة فسبحانه من إله أتقن كل شيء وجعل فيها خضوعا له سبحانه وتعالى ، وأخرجها من الأرض وأدامها وأثبتها عليها بإذنه فسخر الشمس والقمر كلا منهما بحركتين ، وسخر النجم والشجر بحركتي الانقباض والانبساط وبحركة العصارة الصاعدة والنازلة ، وجعل سبحانه وتعالى رؤوس الشجر في الأرض وأطرافها في الهواء فجميع انقباض أعضاء النبات الصاعدة والنازلة يميل إلى السجود لهذا الرب المعبود كما قال تعالى : (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (٥) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (٦)). وقد بسطنا الكلام لاقتضاء المقام فنحمد الله تعالى ونشكره ونتوب إليه ونستغفره من جميع الذنوب والآثام.
(في بيان قوله تعالى :
(فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٩٦)) [الأنعام : الآية ٩٦])
وفيه مسائل :
(المسألة الأولى) :
أن الصبح صبحان الأول الصبح المستطيل كذنب السرحان ، ثم تعقبه ظلمة خالصة ، ثم يطلع بعده الصبح المستعرض في جميع الأفق ، وهو الصبح الثاني الذي هو الضوء يبشر بالصباح ، ويشتت ظلمات الليل وهو معدوم في خط الاستواء ، وإنما تبتدئ مشاهدته في الأجزاء الجنوبية من المناطق المعتدلة ، ويقوي ظهوره كلما قربت الأقطار القطبية ، وأهل تلك البلاد يمكثون أربعة أشهر تقريبا بدون رؤية الشمس غايته أن الصبح في هذا الليل الطويل يضيء عليهم إضاءة تكفي لاجتيازهم السهول والأراضي ، وضوء الشروق الذي يشاهد عند طلوع الشمس يعقب الصبح كما أن ضوء الغروب يسبق الشقق وما ذاك إلا أن ضوء هذا الكوكب يبقى نافذا في فضاء الجو حتى يصل إلينا ، وتنسب تلك الأنوار المدهشة البارقة التي تسبق الشمس وتصحبها حيثما تقارب حد الأفق لكثافة الجو وللأبخرة الساحبة فيه ، وهذه