الألوان اللامعة لشبهها بالصبح والشروق والشفق لا تظهر في سماء سكان المدارين ، فالقدرة الربانية والحكمة الإلهية لم ترد كمال انتشار تلك الحوادث المشرقة ووصولها إلى غاية جمالها وإضاءتها والبارقة إلا لسكان القطبين ، فكلما لاحت هناك تلك الأنوار البهية يحصل في عقولنا اندهاش وفي أفكارنا اضطراب ويزيد يقيننا بوجود مبدع حكيم صانع للموجودات وهو بكل شيء عليم.
(المسألة الثانية) :
إن جميع الطبيعيين والفلاسفة تحيروا في كيفية ضوء الشمس وحرارتها ، فمنهم من قال : الظاهر أنها لا تأثير لها في عظم الضوء ولا في الحرارة المنبعثين إلينا من ذلك الكوكب ، ومنهم من قال : هل الشمس جرم مشتعل مسلط عليه ثوران شديد؟ أو أنها كوكب مضيء مسكون بسكان يستضيؤون بغمام ملتهب نير؟ أو أنها كما قال متأخر والطبيعيين مؤلفة من طبقات متحدة المركز مختلفة الطبيعة يؤثر بعضها في بعض؟ أو أنها كرة عظيمة من سائل كهربائي أي مجتمع تحدث قوته الجاذبية والدافعة في أجرام الكواكب معنى غير محسوس يسمى الجاذبية أو التثاقل العمومي ، ثم قالوا بعد هذا معارفنا لم تزل إلى الآن قاصرة عن معرفة ذلك ، ونحن نقول هب أن النور الحاصل في العالم إنما كان بتأثير الشمس إلا أنا نقول الأجسام متماثلة في تمام الماهية ، ومتى كان الأمر كذلك كان حصول هذه الخاصية لقرص الشمس يجب أن يكون بتخليق الفاعل المختار مكور الليل على النهار.
(أم بيان المقام الأول):
فهو أن الأجسام متماثلة في كونها أجساما ومتحيزة كما تقدم فلو حصل الاختلاف بينها لكان ذلك الاختلاف واقعا في مفهوم مغاير لمفهوم الجسمية ضرورة أن ما به المشاركة مغاير لما به المخالفة فنقول ذلك الأمر إما أن يكون محلا للجسمية أو حالا فيها ، أو لا محلا لها ولا حالا فيها والأول باطل ؛ لأنه يقتضي كون الجسم صفة قائمة بذات أخرى ، وذلك محال لأن ذلك المحل إن كان متحيزا أو مختصا بحيز كان محل الجسم غير الجسم ، وهو محال وإن لم يكن كذلك كان الحاصل في الحيز حالا في محل لا تعلق له بشيء من الأحياز والجهات ، وذلك مدفوع في بديهة العقل ، والثاني أيضا باطل لأنه على هذا التقدير الذوات هي الأجسام وما به حصلت المخالفة هو الصفات ، وكل ما صح على الشيء صح على مثله فلما كانت الذوات متماثلة في تمام الماهية وجب أن يصح على كل واحد منها ما يصح على الآخر وهو المطلوب ، والقول بأن ما به حصلت المخالفة ليس محلا للجسم ولا حالا فيه فساده ظاهر