فثبت إذا بالبرهان أن الأجسام متماثلة ، وإذا ثبت هذا فنقول كل ما صح على أحد المثلين فإنه يصح أيضا على المثل الثاني ، وإذا استوت الأجسام بأسرها في قبول جميع الصفات على البدل كان اختصاص جسم الشمس بهذه الإضاءة وهذه الإنارة لا بد وأن يكون بتخصيص الفاعل المختار الواحد القهار ، وإذا ثبت هذا كان فالق الإصباح في الحقيقة هو الله تعالى وحده ، وذلك هو المطلوب والله سبحانه وتعالى أعلم.
(المسألة الثالثة في تقرير هذا المطلوب):
إن الظلمة شبيهة بالعدم بل البرهان القاطع قد دل على أنه مفهوم عدمي ، والنور محض الوجود فإذا أظلم الليل حصل الخوف والفزع في قلب الكل ، فاستولى النوم عليهم وصاروا كالأموات ، وسكنت المتحركات ، وتعطلت التأثيرات ، ورفعت التفصيلات فالنوم سكون جميع وظائف المخالطة كما أن السهر تحركها ، والسبب المسبب للنوم تعب الجهاز العصبي ، وسببه الحقيقي نقصان وفور الدم نحو المخ ، فكلما تحول الدم عن هذا العضو يسعفه النوم والوسائط المسعفة في تولد النوم هي عدم المنبهات البدنية والخارجية للجهاز العصبي ، فالخارجية كالضوء ، والبدنية كالحركات العضلية والنفسانية ، والنوم إذا حصل وقت الليل فإنما هو من حيث إن الأعضاء كلت من تعب النهار ، ولم يبق فيها منبه فإذا وصل نور الصباح إلى هذا العالم فكأنه نفخ في الصور مادة الحياة ، وقوة الإدراك فضعف النوم وابتدأت اليقظة بالظهور ، وكلما كان نور الصباح أقوى وأكمل كان ظهور قوة الحس والحركة في الحيوانات أكمل ، ومعلوم أن أعظم نعم الله تعالى على الخلق هو قوة الحياة والحس والحركة ، ولما كان النور هو السبب الأصلي لحصول هذه الأحوال كان تأثير قدرة الله تعالى في تخليق النور من أعظم أقسام النعم وأجل أنواع الفضل والكرم ، إذا عرفت هذا فكونه سبحانه فالق الإصباح من أجل البراهين في كونه دليلا على كمال قدرة الله تعالى ومن أجل أقسام الدلائل في كونه فضلا ورحمة وإحسانا من الله تعالى على الخلق.
(المسألة الرابعة) :
قال بعضهم الفالق هو الخالق فكان المعنى خالق الإصباح ، وعلى هذا التقدير فالسؤال زائل والله تعالى أعلم بحقيقة كلامه وأسرار كتابه.
وأما قوله تعالى : (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً) [الأنعام : الآية ٩٦]. فاعلم أنه تعالى ذكر في هذه الآية الشريفة ثلاثة أنواع من الدلائل الفلكية على التوحيد :