(فأولها) : ظهور الصباح وقد فسر بمقدار الفهم.
(وثانيها) : قوله : (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً) [الأنعام : الآية ٩٦]. قال صاحب الكشاف : السكن ما يسكن إليه الرجل ويطمئن إليه استئناسا به واسترواحا إليه من زوج أو حبيب ، ومنه قيل للنار سكن لأنه يستأنس بها ألا تراهم سموها المؤنسة ، ثم إن الليل يطمئن إليه الإنسان ؛ لأنه تعب بالنهار فاحتاج إلى زمان يستريح فيه وذلك هو الليل كما قال تعالى : (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً.) فتسكن فيه جميع الحواس لتعويض ما نقص منها ، ونوم هذه الأعضاء أعني أعضاء الحواس يكون على التوالي فأول ما يسكن وظيفة الإبصار ، ثم الذوق ، ثم الشم ويبقى كل من السمع واللمس متيقظان بعض تيقظ ليوصل بعض احساسات ثم تتناقص الإدراكات الغير المنتظمة شيئا فشيئا حتى تزول بالكلية فإن قيل : إن الخلق يبقون في الجنة في أهنى عيش مع أنه ليس هناك ليل فعلمنا أن وجود الليل والنهار ليس من ضروريات اللذة والخير في الحياة قلنا : كلامنا في أن الليل والنهار من ضروريات مصالح هذا العالم في الدنيا.
وأما الدار الآخرة فهذه العادات غير باقية فظهر الفرق.
(وثالثها) : قوله تعالى : (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ بِحُسبان) [الأنعام : الآية ٩٦].
بحسبان وفيه مباحث :
(المبحث الأول) :
معناه أنه قدر حركة الشمس والقمر بحسبان معين من السنين والشهور ، ولو قدرنا كونهما أسرع وأبطأ مما وقع لاختلت مصالح العالم ، فهذا هو المراد من قوله : (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) (٥) [الرّحمن : الآية ٥].
(المبحث الثاني) :
في الحسبان قولان :
(الأول) : وهو قول أبي الهيثم أنه جمع حساب مثل ركاب وركبان وشهاب وشهبان.
(والثاني) : أن الحسبان مصدر كالرجحان والنقصان ، وقال صاحب الكشاف : الحسبان بالضم مصدر حسب كما أن الحسبان بالكسر مصدر حسب ، ونظيره الكفران والغفران والشكران إذا عرفت هذا فنقول معنى جعل الشمس والقمر حسبانا جعلهما على حساب ؛ لأن حساب الأوقات ليس إلا بدورهما وسيرهما.