نقول : حيث إن المتر يساوي مائة ألف متر فالدسيمتر أي عشر المتر يساوي عشرة آلاف متر فإذا أخذنا طول دسى متر يعني عشر المتر ، وجعلناه على الورق فقيمته عشرة أجزاء متر ، فإذا قسمنا هذا الطول عشرة أجزاء تحصل لنا قيمة ألف ، فبعد القسمة إلى عشرة أجزاء تأخذ جزءا منها وتنقله في يسار القسم الأول وتقسمه أيضا إلى عشرة أجزاء تجد الجزء منها يساوي مائة متر ، وهذا القسم الأخير يسمى عقب المقياس تشبيها له بعقب الرجل ، ولا يحسب في العدد والنمرة إلا ليدل على الأعشار.
(في بيان قوله تعالى :
(وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً) (١٤) [النّبإ : الآية ١٤])
(اعلم) أن في المعصرات قولين :
(الأول) : وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس وقول مجاهد ومقاتل والكلبي وقتادة : إنها الرياح التي تثير السحاب ، ودليله قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً) [الرّوم : الآية ٤٨]. فإن قيل على هذا التأويل كان ينبغي أن يقال : وأنزلنا بالمعصرات. قلنا الجواب من وجهين :
(الأول) : أن المطر إنما ينزل من السحاب ، والسحاب إنما يثيره الرياح فصح أن يقال : هذا المطر إنما حصل من تلك الرياح ، كما يقال : هذا من فلان أي من جهته وسببه.
(الثاني) : أن من هاهنا بمعنى الباء ، والتقدير وأنزلنا بالمعصرات أي بالرياح المثيرة للسحاب ، ويروى عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير وعكرمة أنهم قرؤوا (وأنزلنا بالمعصرات) وطعن الأزهري في هذا القول وقال : الأعاصير من الرياح ليست من رياح المطر ، وقد وصف الله تعالى المعصرات بالماء الثجاج ، وجوابه أن الأعصار ليست من رياح المطر فلم لا يجوز أن تكون المعصرات من رياح المطر.
القول الثاني : وهو الرواية الثانية عن ابن عباس واختيار أبي العالية والربيع والضحاك أنها السحاب ، وذكروا في تسميته بالمعصرات وجوها :
(أحدها) : قال المؤرج : المعصرات السحاب بلغة قريش.
(وثانيها) : قال المازني يجوز أن تكون المعصرات هي السحائب ذوات الأعاصير ، فإن السحائب إذا عصرتها الأعاصير ، لا بد وأن ينزل المطر منها.