الخاتمة
(بسم الله الرحمن الرحيم)
الحمد لله المنفرد بإبداع المركبات والبسائط ، الغني فلا نفتقر في فعل من أفعاله إلى شيء من الأسباب والوسائط ، تعالى شأنه : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)) [يس : الآية ٨٢]. (فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣)) [يس : الآية ٨٣].
(أحمده) حمد عالم بأنه الفعال لما يريد ، وأشكره شكر جازم بتنزه ذاته الأقدس عن الكمية والكيفية والانحصار والتحديد ، وأصلي وأسلم على فاتح مغلقات كيمياء السعادة ومانح جواهر المعارف بكلماته المفرغة في أجمل قوالب الإجاده عنصر عناصر المجد ، وأصل أصول الفضائل ، وأشرف معادن الأسرار الربانية وموصلها إلى أهلها على حسب القوابل سيدنا محمد الذي هو خلاصة الكائنات والموصوف بأكمل الصفات.
(أما بعد) :
فأقول أعلم أن الله تبارك وتعالى لما أمرنا في مواضع عديدة من القرآن الشريف أن نتفكر في آلائه كما قال تعالى : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [آل عمران : الآية ١٩١]. وقال تعالى : (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [الأنعام : الآية ٩٧]. وقال تعالى : (أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) [السّجدة : الآية ٤]. بين لنا من ذلك أعظم الدلالة على عظم قدرته في تكون الأجرام والمولدات بقوله تعالى : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) [الرّعد : الآية ١٧]. ولنذكر هنا ما مكث وكيفية تكون طبقات الأرض طبقة فطبقة وكيفية دورانها فنقول.
(بيان كيفية تكون طبقات الأرض)
(اعلم) أرشدك الله تعالى أنا قد اعتبرنا الأرض على ما تحقق نجمة من الكواكب الفلكية المالئة للفضاء الذي لا حد له ، وعرفنا المحل الذي تشغله من المجموع الشمسي ، والطريق الذي خطته لها القدرة الإلهية والحركات المخصوصة بها وشكلها الشبيه بالكروي المفرطح جهة الأقطاب ، وذكرنا أن هذا الشكل نشأ من لينها ورخاوتها ، وأحسن من ذلك أن يقال من سيولة تلك الكرة زمن نشأتها ووجودها ، وأثبتنا أيضا أنها مكونة من مقدر عظيم من جواهر