(وثالثها) : أن المعصرات هي السحائب التي شارفت أن تعصرها الرياح فتمطر كقولك أجذ الزرع إذا حان له أن يجذ ، ومنه أعصرت الجارية إذا دنت أن تحيض ، وأما الثجاج فاعلم أن الثج شدة الانصباب يقال مطر ثجاج ودم ثجاج أي شديد الانصباب.
(اعلم) أن الثج قد يكون لازما وهو بمعنى الانصباب كما ذكرنا وقد يكون متعديا بمعنى الصب ، وفي الحديث أفضل الحج العج والثج أي رفع الصوت بالتلبية وصب دماء الهدي ، وكان ابن عباس مثجا أي يثج الكلام ثجا في خطبته ، وقد فسروا الثجاج في هذه الآية على وجهين :
قال الكلبي ومقاتل وقتادة ، الثجاج هاهنا المتدفق المنصب. وقال الزجاج : معناه الصباب كأنه يثج نفسه أي يصب ، وبالجملة فالمراد تتابع القطر حتى يكثر الماء فيعظم النفع به كقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) (٤٣) [النّور : الآية ٤٣].
(قوله : (أَلَمْ تَرَ). أي بعين عقلك والمراد التنبيه والأزجاء السوق قليلا قليلا ، ومنه البضاعة المزجاة التي يزجيها كل أحد وإزجاء السير في الإبل الرفق بها حتى تسير شيئا فشيئا.
(ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) قال الفراء : (بين) لا يصلح إلا مضافا إلى اسمين فما زاد إنما قال بينه ؛ لأن السحاب واحد في اللفظ ومعناه الجمع ، والواحد سبحانه قال الله تعالى : (وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ) [الرّعد : الآية ١٢]. والتأليف ضم شيء إلى شيء أي يجمع بين قطع السحاب فيجعلها سحابا واحدا ، ثم يجعله ركاما أي متجمعا ، والركام جمعك شيئا فوق شيء حتى تجعله مركوما ، والودق المطر قاله ابن عباس ، وعن مجاهد القطر ، وعن أبي مسلم الأصفهاني (فَتَرَى الْوَدْقَ) أي الماء يخرج من خلاله أي من شقوقه ومخارقه جمع خلل كجبال في جمع جبل وقرئ من خلله.
(واعلم) أن قوله : (يُزْجِي سَحاباً) [النّور : الآية ٤٣]. يحتمل أنه سبحانه ينشئه شيئا بعد شيء ، ويحتمل أن يغيره أي يصيره ويؤلفه من سائر الأجسام لا في حالة واحدة ، فعلى الوجة الأول يكون نفس السحاب محدثا ، ثم إنه سبحانه يؤلف بين أجزائه ، وعلى الثاني يكون المحدث من قبل الله تعالى تلك الصفات التي باعتبارها صارت تلك الأجسام سحابا ، وفي قوله : (يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) [النّور : الآية ٤٣]. دلالة على وجود متقدما متفرقا إذ التأليف لا