لا يكون أمر ولو لمانع عقلي ـ ومعه كيف يحكم بوجود المناط؟! ومجرّد أنّ الأمر متعلّق بالطبيعة من غير قيد لا يكشف عن سعة المناط بعد ورود القصر العقلي على هذا الأمر. ونمنع ثبوت الفرق بين القصر العقلي والشرعي فلا يبقى كاشف عن المناط في الثاني دون الأوّل.
الترتّب
ثمّ إنّه قد يتكلّف لتصحيح العبادة المزاحمة بالأهمّ بإثبات الأمر لها على سبيل الترتّب على الأمر بالأهمّ ، فيكون الأمر متعلّقا بالأهمّ والمهمّ جميعا. نعم ، على سبيل ترتّب الثاني على الأوّل.
ولتوضيح هذا نقدّم مقدّمة وحاصلها : أنّ الأمر بالضدّين على وجه الترتّب يكون على أقسام :
الأوّل : أن يأمر بهما على وجه يكون أمر أحدهما مرتّبا على فعليّة معصية الآخر وسقوط أمره ، فما دام أمره باق لم يعص [و] لا أمر بالنسبة إلى الآخر بل الأمر مختصّ به ، فإذا عصى وسقط جاءت نوبة الأمر بالنسبة إلى الآخر ؛ لأنّ شرطه وهو المعصية الفعليّة للأوّل قد حصل. وذلك مثل أن يأمر بالحجّ والخروج مع الرفقة في آخر أزمنة الخروج ثمّ يأمر بالإقامة والصوم إذا لم يخرج في آخر أزمنة الإمكان حتّى سقط الأمر بالحجّ.
وهذا القسم لا إشكال في جوازه ؛ إذ لا يجتمع الأمر بل في كلّ زمان ليس إلّا أمر واحد ، فإذا ذهب أحدهما جاء الآخر. والذي هو باطل هو اجتماع الأمر بالضدّين في زمان واحد طلبا ومطلوبا. فلو تعدّد زمان أحدهما ـ إمّا الطلب كما في المقام ، أو المطلوب كما إذا أمر فعلا بالقعود والقيام : القعود الآن ، والقيام غدا ـ لم يكن بذلك بأس.
الثاني : أن يأمر بأحدهما مطلقا وبالآخر معلّقا على شرط وقد حصل ذلك الشرط.
وهذا باطل ؛ إذ في وعاء تحقّق الشرط يتوجّه الأمران وهو باطل ، ولا يصحّحه تعليق أحد الأمرين على فعل اختياري ، والمكلّف باختياره أتى بذلك الفعل ؛ فإنّ امتناع التكليف بالمحال لا يرفعه كون ذلك بالاختيار فلذا لا يجوز الأمر بهما جميعا ، أو بفعل آخر غير اختياري معلّقا على فعل اختياري.