التخيير بين الأقلّ والأكثر
لا ريب في معقوليّة التخيير بين الأقلّ والأكثر الدفعي كمسح بإصبع أو بكفّ. وهل يعقل التخيير بين الأقلّ والأكثر التدريجي كتسبيحة أو تسبيحات؟
قد يقال : نعم ، إذ قد يكون الغرض قائما بكلّ من الأقلّ بشرط عدم الزيادة والأكثر ، وما هذا شأنه ينبغي الخطاب التخييري به ، بل ليس هذا في الحقيقة تخييرا بين الأقلّ والأكثر ؛ فإنّ الأقلّ بشرط عدم الزيادة يباين الأكثر مباينة الشيء بشرط شيء والشيء بشرط لا.
ويردّه : أنّ الأقلّ لو كان واجدا لمناط التكليف وكان كلّ من وجود الزيادة وعدمها على حدّ سواء ، كان إيجاب المولى لها قبيحا لا مقتضى يقتضيه ؛ فإنّ الزيادة على تقدير الوجود ـ وإن كانت مؤثّرة في المصلحة الإلزاميّة ـ لكن على تقدير العدم أيضا توجب تحديد الأقلّ بحدّ يؤثّر في عين تلك المصلحة ، فإذا أتى بالأقلّ لم يكن هناك ما يقتضي الإلزام بالزيادة بل كانت الزيادة مباحة ؛ فإنّه لا فرق في جعل الإباحة بين أن يكون الفعل خاليا عن المصلحة الملزمة وبين أن يكون مشتملا على المصلحة مع وجود مثل تلك المصلحة في الترك أيضا ، بحيث لو أتى بالأقلّ جاز الاقتصار عليه وجاز الإتيان بالزيادة الذي ليس ذلك إلّا معنى الإباحة.
وعلى ما ذكرناه فكلّ ما ورد في الشريعة ممّا يوهم التخيير بين الأقلّ والأكثر يحمل على وجوب الأقلّ تعيينا واستحباب الزيادة على ذلك.