النواهي
النهي بمادّته وهيئته كالأمر ، إلّا أنّ ذلك بعث إلى المتعلّق وإن كان تركا كخطاب «أترك» ، وهذا زجر وإمساك عن الإتيان بالمتعلّق وإن كان فعلا كخطاب «لا تترك». فصيغة «أترك» أمر ، وخطاب «لا تترك» نهي. وبذلك بطل الفرق بينهما بأنّ الأمر طلب للفعل والنهي طلب للترك ، فإنّ الأمر قد يكون لطلب الترك كما قد يكون النهي لطلب الترك. فليس الفرق بين الصيغتين من جهة متعلّق الطلب بل من جهة نفس الطلب وكونه في أحدهما خطاب بعث وفي الآخر خطاب زجر.
واعلم أنّ كلّ ما وقع الترك تحت الطلب ـ سواء كان بصيغة الأمر أو كان بصيغة النهي ـ خلت الهيئة عن الدلالة على الطلب بمعنى الإرادة للترك ؛ إذ الترك لا يكون عن إرادة وإنّما الإرادة تتعلّق بالفعل وتختصّ بالفعل ، وكفى في الترك عدم الإرادة للفعل.
نعم ، النهي ناشئ عن درك فساد الفعل المنهي عنه ومنافرته وليس كترك الفعل بالمباشرة ؛ فإنّه يكفي فيه عدم الإرادة للفعل ـ فكلّ نهي ناشئ عن أمر وجودي وهو النفورة كما أنّ كلّ أمر ناشئ عن أمر وجودي وهو الملازمة ـ وأمّا الإرادة للترك فلا ؛ وكيف تتعلّق الإرادة بالترك وتؤثّر فيه مع أنّ الترك أمر عدمي ، والعدم لا يحتاج إلى العلّة؟! وأيضا الإرادة أمر وجودي والوجود لا يكون مؤثّرا في العدم. فجميع التروك بالمباشرة متروكة لعدم وجود علّة وجودها ، وجميع التروك بالتسبيب ومن جهة خطاب النهي ، فمنشؤها أمر وجودي هو نفوره الفعل وهو الذي أوجب نهى المكلّف وردعه عن الفعل وقطع دواعيه وصدّه عن مشتهياته.