وكما في آية الوضوء (١) ـ بناء على مذهب أهل الحقّ ـ وهو مراد من قال : إنّ الآية لتحديد المغسول دون الغسل ، يريد أنّها لضبط ما بين الحدّين بلا دلالة على الشروع والختام [سواء] كانت لتحديد المغسول أو كانت لتحديد الغسل.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّهم اختلفوا في اقتضاء التحديد بالغاية للمفهوم ونفي سنخ الحكم عمّا بعد الغاية. ولا أعلم لقصر خلافهم هذا بالغاية وجها ، بل كان اللازم أن يبحثوا بالنسبة إلى الابتداء أيضا ؛ فإنّ حكمه حكم الغاية ، فيقال : إنّ التحديد بالمبدإ والمنتهى هل يقتضي نفي الحكم عن الجانبين وقصره بالوسط أو لا تعرض إلّا للوسط ، والجانبان مسكوت عن حكمهما نفيا وإثباتا يرجع فيهما إلى الأصل إن لم يرد دليل على الحكم فيهما؟
والحقّ هو عدم الدلالة ؛ فإنّ التحديد بهما يكون دائما للموضوع دون الحكم. أمّا الفعل المتعلّق للحكم أو موضوع هذا الفعل فيدخل التحديد بهما في التقييد. وقد عرفت أنّ القيد لا مفهوم له ولم يختصّ هذا التقييد بخصيصة من بين سائر أقرانه ليختصّ بالمفهوم.
وممّا ذكرناه من أنّ التحديد بالغاية دائما يكون لمتعلّقات الحكم لا هو نفسه لا يبقى موضوع لما قيل في المقام من التفصيل بين أن تكون الغاية غاية للحكم ـ فالمفهوم ثابت ـ وبين أن تكون غاية للموضوع فلا ، مع أنّا لو سلّمنا أنّ الغاية تكون للحكم كما تكون للموضوع منعنا اختلاف دلالة مثل كلمة «إلى» باختلاف المدخول ؛ فإنّ وضع اللفظ واحد والمغيّا لا قرينيّة فيه على شيء.
ثمّ إنّا إن قلنا بالمفهوم أو لم نقل فهناك بحث آخر ، وهو أنّه هل مدخول «إلى» داخل في حكم المغيّا ومشارك مع المنطوق في الحكم أو داخل في الغاية يجري عليه ما يجري على الغاية؟
وكان اللازم تعميم هذا البحث أيضا إلى جانب الابتداء فيبحث عن أنّ الحدّين المدخولين للأداتين في جانبي المبدأ والمنتهى هل هما في حكم الوسط أو هما في حكم الطرفين؟
__________________
(١) هي قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) المائدة (٥) : ٦.