الذي يترجّح عندي دخولهما في حكم الوسط ما لم تقم قرينة على الخلاف ؛ فإنّ المتعارف أنّ جزءين من المسافة التي يراد تحديدها يؤخذ فيجعل مدخولا للأداتين من جانبي المبدأ والمنتهى ، ثمّ يحكم على مجموع المسافة بجزأيها. وقلّما يؤخذ جزءان من الخارج الملاصق للمسافة فيجعل مدخولا للأداة ، فمثل (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ)(١) يكون على خلاف الشائع المتعارف ، فلولا دليل خارج لحكمنا هناك أيضا بوجوب إدخال جزء من الليل في الإمساك.
وأمّا مثل : «سرت من البصرة إلى الكوفة» فهو جار على وفق الشائع ؛ إذ لا يراد من البصرة والكوفة خصوص ما أحاط به سورهما ، بل ما يعمّه وتوابعه ، فلو كان السير واقعا في جانبي المبدأ والمنتهى في جزء من الملحقات صدق أنّه سار من أحد البلدين إلى الآخر.
مفهوم الاستثناء
يبحث في الاستثناء تارة عن أنّه هل يقتضي مخالفة ما بعده لما قبله في الحكم ، أو لا يقتضي سوى قصر ما أنشئ فعلا من الحكم على المستثنى منه وأنّ المتكلّم فعلا ليس في صدد التعرّض لحكم المستثنى ، فلا يكون معارضا لدليل دلّ على مشاركة المستثنى للمستثنى منه في الحكم؟
وأخرى عن أنّه على تقدير اقتضائه قصر سنخ الحكم بما قبله هل ذلك بالمفهوم ومن جهة دلالة الاستثناء على الخصوصيّة المستتبعة لانتفاء الحكم عن المستثنى وهي الدلالة على الحصر ، أم هو بالمنطوق ، ومن جهة دلالة أداة الاستثناء على نفي الحكم عمّا بعدها؟ فمن ضمّ هذه الدلالة إلى دلالة عقد المستثنى منه ينتزع الحصر ، لا أن يكون الحصر مدلول الجملة ابتداء. وهذا هو الظاهر.
ولا ثمرة لهذا البحث بعد ثبوت الدلالة على كلّ تقدير ، إلّا إذا قلنا : إنّ الدلالة المفهوميّة أضعف دائما من الدلالة بالمنطوق ، فيجدي هذا البحث لتعيين ما هو قضيّة الجمع عند
__________________
(١) البقرة (٢) : ١٨٧.