فكلّ وضع حقيقي فهو متضمّن على نحو اللّف أوضاعا لا تحصى ـ بإزاء المعاني المناسبة للمعنى الحقيقي عرضا وطولا ، مناسبة جازت معها دعوى الاتّحاد والهوهويّة ـ فيسري هذا الوضع إلى المناسبات بلا حاجة إلى الالتفات إلى التناسب ، بل إن التفت أو لم يلتفت أو اعتقد عدمه ومن أجله منع من الاستعمال ، كان الوضع ساريا وأثره في الأعقاب باقيا من غير أن يصغى إلى منع الواضع. بل يقال له : إنّك مشتبه ومخطئ في الصغرى وفي اعتقاد عدم المناسبة ، وأنّ المناسبة موجودة لعلاقة حاصلة ، وهذا داخل تحت وضعك وجعلك.
نعم ، لا يحمل اللفظ على المعنى المجازي إلّا بعد قيام الصارف عن المعنى الحقيقي ؛ وذلك لاحتياج المجاز إلى بذل عناية من المستعمل في استعماله ، وأنّه قد أطلق اللفظ بلحاظ العلاقة وتنفيذا للتنزيل والادّعاء الثانوي ، فلو لا القرينة على ذلك اتّجه اللفظ إلى معناه الحقيقي بمقتضى التنزيل الأوّل.
وهكذا كلّ مجاز بعيد طولا وعرضا لا يصار إليه ، ولا يحمل اللفظ عليه إلّا مع سدّ باب احتمال المجاز الأقرب منه فالأقرب ، واختلاف المجازات العرضيّة قربا وبعدا يكون باختلاف العلائق والروابط شدّة وضعفا ، واختلاف المجازات الطوليّة بكثرة الوسائط وقلّتها ، فالمشابه أقرب من مشابه المشابه ، وهكذا.
هذا إن جوّزنا سبل المجاز من المجاز ، وإلّا فلا يتصوّر القرب والبعد الطولي ، وانحصر القرب والبعد في قوّة العلاقة وضعفها.
استعمال اللفظ في شخصه
لا بدّ لكلّ قضيّة من قوائم ثلاث : موضوع ، ومحمول ، ونسبة. وفي أيّ وعاء كانت القضيّة كانت قوائمها الثلاث في ذلك الوعاء ، يعني أنّ القضيّة الخارجيّة لا بدّ وأن تكون أطرافها جميعا في وعاء الخارج ، فإذا ارتقت إلى النفس واستقرّت في كرسيّ النفس كان مقرّ الأطراف جميعا في النفس ، ثمّ إذا هبطت من النفس إلى اللفظ كانت قوائمها الثلاث ـ موضوعا ومحمولا ونسبة ـ في اللفظ.