ولا يعقل تألّف القضيّة من موضوع خارجي ومحمول نفساني ، فزيد الخارجي لا يكون محكوما عليه في النفس ، وإنّما المحكوم عليه في النفس زيد النفساني ، وإنّما «زيد» في الخارج معروض للقيام في الخارج بنسبة خارجيّة ، و «زيد» في النفس معروض للقيام في النفس بنسبة بينهما في النفس. و «زيد» في قولنا : «زيد قائم» ـ وهو زيد اللفظي ـ موضوع لفظي في هذه القضيّة اللفظيّة لقولنا : «قائم» ، ونسبتهما أيضا لفظيّة.
والسرّ في ذلك أنّ قوام القضيّة إنّما هو بالنسبة ، ولا نسبة بين أجزاء عالم وأجزاء عالم آخر. وكيف تتألّف قضيّة من أجزاء عالمين؟!
ومن ذلك يظهر بطلان ما قيل من أنّ الحكم في قولنا زيد لفظ أو كلمة أو اسم أو نحو ذلك ، على شخص هذا اللفظ الملقى في الخارج ، وقد ذكر ليحكم على شخص نفسه لا ليحكم على محكيّه. فزيد المتلفّظ به هو الموضوع ، لا حاكيا عن الموضوع مستعملا في الموضوع (١) ؛ وذلك لأنّ كلمة «زيد» بما هي هذه الكلمة موجود من الموجودات الخارجيّة ، فلا يجوز أن يكون بما هو من الخارجيّات موضوعا في القضيّة المعقولة. وكيف يحكم في العقل على ما هو خارج عنه ومنعزل منه؟!
نعم ، ذكر كلمة «زيد» لإعادة الضمير إليها ، وتوطئة لذكر ما يحكي عنها لا بأس ، لكنّ الموضوع في الحقيقة هو الضمير العائد إليه.
وإنّ أبطل من هذا التوهّم ، توهّم إمكان جعل ذلك من قيل استعمال اللفظ في شخص نفسه ، فزيد في مثل هذه القضايا مستعمل في شخص «زيد» المتلفّظ به ، فهو دالّ وهو مدلول بالاعتبارين (٢) ؛ وذلك لوضوح أنّ الدلالة هي حصول العلم بالمدلول من العلم بالدالّ ، وهذا لا يكون إلّا بعلمين سابق ولا حق ولا يتعدّد العلم إلّا بتعدّد العالم ، أو بتعدّد المعلوم ، فإذا فرض وحدة العالم ووحدة المعلوم. فكيف تفرض هناك دلالة؟
وهل وراء العلم باللفظ علم آخر به حتّى يدلّ اللفظ على شخص نفسه؟ وهل يجدي
__________________
(١) انظر الفصول الغرويّة : ٢٢ ؛ كفاية الأصول : ١٤.
(٢) انظر كفاية الأصول : ١٤.