ويدفعه : منع الاطّراد المذكور ؛ فإنّ لفظ الرقبة يطلق على الإنسان في تركيب ولا يطلق عليه في تركيب آخر ، مثلا يقال : «أعتق رقبة» ولا يقال : «أكرم رقبة» ، وأيضا يقال : «جاء الأسد» ولا يقال : «نام الأسد» و «صلّى الأسد» و «صام الأسد» مع وجود العلاقة.
والسرّ في ذلك هو أنّ اللفظ لمّا لم يكن موضوعا بإزاء ذات المعنى ـ ولأجل ذلك اعتبرت العلاقة في الاستعمال ، واعتبرت مع وجود العلاقة المناسبة للمقام ، ولم تكن العلاقة بمجرّدها مصحّحة للاستعمال ـ فلمّا كان العتق مناسبا للرقبة تشبيها للقيد المعنوي بالحبل الحسّي الموضوع على الرقبة ناسب إطلاق الرقبة في «أعتق رقبة» بخلاف «أكرم رقبة» و «صاحب رقبة» وهكذا.
وأمّا الجاهل الثاني ـ وهو الذي ليس المعنى حاصلا في حسّه المشترك مع ارتكازه في ذهنه ـ فطريق استحضاره له في حسّه المشترك هو أن يتبادر المعنى من اللفظ عنده ، وأيضا يصحّ حمل اللفظ عليه عنده ، بمعنى أن يذعن بصحّة الحمل بلا رعاية علاقة. وكفى في تحقّق هذين ذلك العلم الارتكازي ، فهذان معلولان للعلم الارتكازي وعلّتان للعلم التفصيلي ، أعني حصول الالتفات وحضور المعنى في الحسّ المشترك. فلا شائبة دور.
نعم ، هذان دليلان على العلم الارتكازي ، وأمّا أنّ ذلك الارتكاز من أين أتى وأيّ شيء صار منشأ له ، هل منشؤه الاستعمالات الحقيقيّة أو المجازيّة أو إخبار أهل اللغة؟ فلا ؛ ومن أجل ذلك كانت دلالتهما على الحقيقة ممنوعة.