بضميمة أصالة عدم النقل من لسان الشارع ، فتلك لم يثبت اعتبار العقلاء لها.
وأبطل من ذلك الاستدلال لكلّ من القولين بالأخبار ، فللصحيح بمثل (الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ)(١) ، و «أنّها عمود الدين» (٢) ، و «الصوم جنّة من النار» (٣) ، و «لا صلاة إلّا بطهور» (٤) ، و «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» (٥) إلى غير ذلك. وللأعمّ بمثل «دعي الصلاة أيّام أقرائك» (٦) ، و «بني الإسلام على خمس» (٧).
فإنّ الأوّل مردود بأنّ مثل هذه التعبيرات تعبّر بها في مقامين ، فتارة في مقام بيان شرح معاني الألفاظ بالإشارة إليها بآثارها كما هو شأن أهل اللغة ، واللفظ في هذا المقام مستعمل في نوع اللفظ لا في معنى ؛ وأخرى في مقام بيان خواصّ المسمّى بعد الفراغ عن معرفة المسمّى ، واللفظ في هذا مستعمل في معناه ، والاستعمال في هذه الأخبار من هذا القبيل فلا يدلّ على المدّعى. نعم ، إثبات الآثار قرينة استعمال اللفظ في الصحيح ، لكنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة.
والثاني مردود بأنّ رواية «دعي الصلاة أيّام أقرائك» إن حمل نهيها على الحقيقة والطلب المولوي كان ذلك قرينة إرادة الفاسدة ؛ لعدم قدرة الحائض على الصحيحة حتّى تنهى عنها ، والاستعمال أعمّ من الحقيقة ، وإن حمل نهيها على الإرشاد على عدم قدرة الحائض من الصلاة حينئذ هي الصحيحة (٨) ؛ لأنّها التي لا تقدرها الحائض ، ولو بني على الاستدلال بأمثال هذه الأدلّة كانت أوامر العبادات أحرى بأن يستدلّ بها على الأعمّ ، بعد
__________________
(١) العنكبوت (٢٩) : ٤٥ ، وقد وردت الآية والاستشهاد بها في بعض الأخبار فراجع الكافي ٢ : ٥٩٨.
(٢) التهذيب ٢ : ٢٣٧ / ٩٣٦ ؛ وسائل الشيعة ٤ : ٣٥ ، أبواب أعداد الفرائض ، ب ٩ ، ح ١٣ ، باختلاف يسير.
(٣) الكافي ٤ : ٦٢ / ١ ؛ الفقيه ٢ : ٤٤ / ١٩٦ ؛ وسائل الشيعة ١٠ : ٣٩٥ و ٣٩٨ ، أبواب الصوم المندوب ، ب ١ ، ح ١ و ٨.
(٤) التهذيب ٢ : ١٤٠ / ٥٤٦ ؛ وسائل الشيعة ١ : ٣٧٢ أبواب الوضوء ، ب ٤ ، ح ١.
(٥) عوالي اللئالي ١ : ١٩٦ / ٢ وبهذا المضمون وردت أخبار أخر ، فراجع وسائل الشيعة ٦ : ٣٧ ـ ٤١ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ١ و ٢.
(٦) الكافي ٣ : ٨٣ / ١ ؛ التهذيب ١ : ٣٨١ / ١٨٣ ؛ وسائل الشيعة ٢ : ٢٨٧ أبواب الحيض ، ب ٧ ، ح ٢.
(٧) وسائل الشيعة ١ : ١٣ ـ ٢٧ أبواب مقدمة العبادات ، ب ١ ، ح ١ و ٢ و ٥ و ١٠ و ١١ و ١٥ و ١٨ و ٢٩ و ٣٣.
(٨) أي أنّه إن حمل النهي عن صلاة الحائض على الإرشاد إلى عدم قدرتها من الصلاة ، فالمراد من الصلاة المنهي عنها حينئذ هي الصلاة الصحيحة ؛ لأنّها هي التي لا تقدر عليها الحائض وأمّا الصلاة الفاسدة فمقدورة لها.