الفاعل واسم المفعول في ثاني مرتبة الاشتقاق ، وهكذا كلّما زدنا معنى على سابقه زاد الاشتقاق بعدا عن المبدأ بمرتبة ؛ فلذا كانت صيغ المبالغة في ثالث المراتب فإنّها تزيد على معنى الفاعل والمفعول بإفادة المبالغة فيهما ، فهي إمّا مبالغة في الفاعل أو مبالغة في المفعول.
أمّا الأفعال فأصولها ثلاث. والكلّ يشارك اسم الفاعل والمفعول في الاشتمال على الذات والحدث والنسبة ، ويفارقهما من وجهين :
الأوّل : أنّ الذات في الاسمين متن المعنى والحدث قيده ، وفي الفعل بعكس ذلك الحدث متن المعنى والذات قيده ، فالماضي المعلوم معناه الحدث الصادر عن فاعل ما فيما مضى ، والماضي المجهول معناه الحدث الواقع على مفعول ما كذلك ، والمضارع معناه هو هذا مع تبديل السبق باللحوق أو الحال ، والأمر معناه البعث إلى الفعل.
وأمّا اسما الفاعل والمفعول فمعناهما الذات الفاعل للحدث أو القابل للحدث. فكان الحدث هنا قيدا للمعنى كما كان الذات هناك قيدا له.
الثاني : أنّ النسبة المأخوذة في مداليل الأفعال نسبة تامّة خبريّة أو إنشائيّة يصحّ السكوت عليها بخلاف النسبة في مدلول الاسمين فإنّها نسبة ناقصة.
إذا عرفت هذا وظهر لك عموم مناط البحث وعدم اختصاصه بالمشتقّات ، فلنعد إلى عنوان البحث.
فاعلم أنّ الحال في العنوان يراد بها حالة التلبّس وهيئة التطوّر بالمبدإ والتفحّص به لا زمان النطق ولا زمان التلبّس ؛ فإنّ المعنى الملحوظ متكيّفا بكيفيّة خاصّة كزيد بوصف العلم وعلى صفة العلم ـ أعني الذات القائم بها العلم فعلا ـ غير زيد المنقضي عنه صفة العلم ، وهما معا غير زيد بما سيتلبّس بالعلم. فزيد إذا قيس إلى صفة العلم كان له حالات ثلاث : حالة التلبس به ، وهو حالة حلول المبدأ فيه ، وجلوسه على صدره. وحالة الانقضاء ، وهي حالة ارتحال المبدأ وتحوّله عنه. وحالة ترقّب حلول المبدأ وانتظار نزوله.
والمراد من الحال في العنوان هو القسم الأوّل من الحالات الثلاث ، وهي حالة فعليّة المبدأ ؛ لا أقول : الفعليّة الخارجيّة ، بل هذه الفعليّة هي حالة الفعليّة إن وجد المبدأ في الخارج ، أو لم يوجد ولن يوجد أبدا ، فكانت الفعليّة فعليّة تقرّريّة لا فعليّة خارجيّة.