قصرهم موضوع العلم بما يبحث فيه عن عوارضه الذاتيّة ، فساقوا من ذلك الكلام في تحقيق العرض الذاتيّ ، وبيان ما يميّزه عن العرض الغريب. أو لعلّ تعبّدا جاءهم من المقنّنين (١) للعلوم والتزاما من الواضعين للفنون بأن لا يبحثوا فيما وضعوه وقنّنوه عمّا سوى العرض الذاتيّ ، أو لعلّ حديثا مأثورا جاءهم من الإمام المعصوم عليهالسلام ينهاهم عن ذلك. ولعمري إنّ ما ذكرناه واضح لا يغشّيه حجاب ، وجليّ لا يغطّيه ضباب.
والعجب العجاب أنّهم صرّحوا بأنّ موضوع العلم هو بعينه موضوع قضايا مسائله لا يختلف عنه إلّا بالكليّة والجزئيّة. ومع ذلك لم يزالوا مصرّين على ما ذهبوا إليه ، ومكبّين على ما نطقوا به من اعتبار العروض الذاتيّ.
هذا مع ما يلزمهم من خروج كثير من مسائل العلم عنه ، حتّى التزموا بالاستطراد فيها.
وعلى ما ذكرناه كلّ القضايا الواردة على متن الموضوع هي من مسائل العلم ، سواء أكانت باحثة عن ماهيّة الموضوع ، أو عن وجوده ، أو عن عوارضه الذاتيّة ، أو الغريبة. فالنحوي إذا باحث عن شرح ماهيّة الكلمة ، أو عن وجودها وما هو مفاد كان التامّة ، أو عن عوارضها الذاتيّة ، أو الغريبة ، كانت أبحاثه جميعا داخلة في الفنّ. وكذا المنطقيّ إذا باحث عن شرح ماهيّة التصوّر والتصديق ، أو عن وجودهما ، أو عن عوارضهما الذاتيّة ، أو الغريبة كانت أبحاثه تلك داخلة في الفنّ.
نعم ، البحث عن أنّ موضوع العلم أيّ من الأمرين أو الأمور المعلومة ، خارج عن الفنّ على كلّ حال داخل في المبادئ.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ موضوع علم الأصول هو الحجّة على الحكم الشرعي الفرعي. وحسب ما ذكرناه كلّ من البحث عن ماهيّة الحجّة ، أو عن وجود الحجّة ، أو عن عوارض الحجّة داخل في علم الأصول ؛ ومباحث الأصول العمليّة العقليّة داخلة في القسم الثاني ؛ فإنّه يبحث فيها عن وجود الحكم العقل المسلّم الحجيّة ؛ وكذا البحث عن حجّيّة الظنّ عند الانسداد بناء على الحكومة ؛ وكذا بعض المباحث العقليّة التي ذكروها في خلال مباحث الألفاظ كمسألة مقدّمة الواجب ، ومسألة اجتماع الأمر والنهي ، ومسألة اقتضاء الأمر
__________________
(١) من مقنّني العلوم ، والتزام من واضعي الفنون (خ ل).