وهذا هو المراد من قولهم : إنّ الجري بلحاظ حال التلبّس وإنّه حقيقة ، وإن كان المبدأ قد انقضى أو بعد لم يتحقّق. وحقيقته ما ذكرنا من إطلاق المبدأ على مبدأ قد انقضى ، أو بعد لم يتحقّق ؛ وإلّا فلا معنى محصّل لكون الجري بلحاظ حال التلبّس.
ومختصر المقام هو أنّ المشتقّ لا يحتاج إلى مبدأ خارجي وتلبّس خارجي ، وإنّما معناه التلبّس بالمبدإ تقرّرا الحاصل في كلّ من الخارج ومقام الذات ، وفي كلّ ممّا كان المبدأ فعليّا أو انقضائيّا أو استقباليّا ، وفي الكلّ التلبّس فعلي والمعنى الحقيقي حاصل.
فلا تنافي بين القول بأنّ المشتقّ حقيقة في المتلبّس بالمبدإ في الحال وبين عدم اعتبار وجود المبدأ في الخارج ، فضلا عن كونه في الحال.
ومعنى المشتقّ في جميع ذلك واحد ، والاختلاف خارج عن معناه ثابت بالقرينة. فهيئة «قائم» في «زيد قائم» ، وهيئة «قاطع» في «سيف قاطع» معناهما واحد ، والتلبّس في أوعية مختلفة. وكذا التلبّس في «زيد قائم الآن» و «زيد قائم بالأمس» و «زيد سيقوم غدا» على نحو واحد ، وفي الكلّ فعلي وما تلبّس به مختلف ؛ فالتلبّس والحمل والجري كلّها ثابت فعلا.
وبما ذكرناه يظهر حال صيغ المبالغة ، وما دلّ منها على الحرفة والصنعة والملكة ؛ فإنّ النسبة فيها لا تختلف ولا تتخلّف عن النسبة في غيرها ، ولا المبدأ يختلف عن المبدأ في غيرها.
فتوهّم أنّ النسبة المدلول عليها فيها نسبة خاصّة كائنة بالملكة أو الحرفة ، أو توهّم أنّ المبدأ هي الملكة ، باطل عاطل ؛ وأين الملكة في العبارة حتّى تكون مبدأ؟! وإنّما نسب إلى الذات تكرّر صدور المبدأ ـ وهو التجارة ـ ومن ذلك يستفاد الملكة بالالتزام ؛ فإنّ الذات إذا كانت ذاتا مستعدّة لإصدار تجارات كثيرة كان ذلك ملكة لها لا محالة ، وهكذا في باقي الصيغ.
خاتمة
مفهوم المشتقّ مفهوم بسيط غير مركّب من ذات ونسبة ومبدأ ، وإنّما مفهومه الذات ليس إلّا ، كما في «زيد» و «عمرو» و «بكر». نعم ، هذا موضوع بإزاء قطعة من الذات لا بإزاء الذات