العنف والإكراه أيضا موجود هناك بنفس التكليف وبالوعيد بالعقاب ، فالواجبات مشتملة على مقدّمات ثلاث : بعثيّة من قبل المولى ، أصل الطلب الذي هو محكوم عقلا بامتثاله ، والوعد بالثواب [على فعله] والوعيد بالعقاب [على تركه] ، وليس في المستحبّات سوى الوعد بالثواب.
وحسب ما ذكرنا كلّ أمر فهو إيجابي ، ولا أمر استحبابي يرخّص العقل في مخالفته وترك امتثاله. وإنّما الاستحباب وعد ساذج بالثواب بلا طلب من المولى وإلّا وجب امتثاله ؛ فإنّ العقل لا يرخّص في مخالفة طلب المولى ، فكلّ ما هو طلب المولى واجب الامتثال ، وكلّ ما لا يجب امتثاله ليس طلبا للمولى. فتقسيم الطلب إلى إيجابي واستحبابي باطل ، بل الطلب من المولى ليس له إلّا قسم واحد وهو إيجابي لا محالة.
الفرق بين الطلب والأمر
الطلب أعمّ من الأمر من وجهين :
الأوّل : أنّ الطلب الشامل لحركة الشخص إلى جانب إتيان مقاصده بترتيب مقدّماته ، فإنّ ذلك طلب لمقاصده وهو طالب لها (١).
الثاني : أنّ الطلب يشمل كلّ طلب من كلّ طالب ، والأمر يختصّ بالطلب من العالي مع الاستعلاء.
واعلم أنّ دلالة مادّة الأمر وصيغة الأمر والجملة الخبريّة المستعملة في مقام إنشاء الطلب على تحقّق الإرادة النفسانيّة ليست بوضعها لها كلفظ «أريد» أو «أطلب» ؛ وإنّما هي دلالة عقليّة كما يدلّ الإتيان بمقدّمات فعل على إرادة ذيها ، بل هذا منه حقيقة ؛ فإنّ البعث نحو الشيء مقدّمة من مقدّمات حصول ذلك الشيء ، فاختياره دليل إرادة بذلك الشيء.
نعم ، يكون هذا بعثا وضعيّا فلذلك توصف الدلالة المذكورة بالوضعيّة أيضا ، وليس ممّا لا سبيل للوضع إليه لتكون عقليّة ساذجة ، كسحب زيد نحو الدار الكاشف عن إرادة دخوله الدار ، أو دفعه عن الدار الكاشف عن إرادة خروجه.
__________________
(١) أي أنّ من يتحرّك إلى فعل شيء ، فحركته طلب منه ، ويصدق عليه أنّه طالب له.