نعم ، المعلوم صلاحه معلّق دون العلم أو ما يتولّد منه ؛ فإنّهما فعليّان سابقان حاصلان حين الالتفات إلى الواقعة بما هي عليه ، بل تحريك العلم نحو المعلوم صلاحه أيضا سابق إذا كان المعلوم صلاحه متوقّفا على مقدّمات سابقة. ومن جملة المقدّمات السابقة طلب المولى له ، فحينما علم المولى بصلاح الفعل في وقت كذا يبعث نحوه بلا ترقّب مجيء ذلك الوقت. وأثر طلبه هذا أنّه لو كان للفعل مقدّمات سابقة اشتغل بها العبد وإن لم تكن له مقدّمات سابقة جاز كلّ من تقديم البعث وتأخيره. نعم ، بناء على أنّ عنوان الوجوب يكون من إلزام العقل بالإطاعة والعقل لا يلزم الإطاعة قبل ظرف الامتثال ـ فلا يكون إيجاب قبل ظرف الامتثال ، وإنّما هو مجرّد الطلب من المولى.
اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ إلزام العقل وحكمه بالإطاعة ـ نظير طلب المولى ـ حاصل قبل ظرف الامتثال ، وإنّما الفعل الملزم به متأخّر ، أو يقال : إنّ تأخّر الحكم من الفعل إنّما يكون حيث لا تكون للفعل مقدّمات سابقة ، وأمّا حيث ما تكون [للفعل مقدّمات سابقة] فالحكم منه سابق بلا اشتراط ، إلزاما منه بمقدّماته. ومن المعلوم أنّ البحث في معقوليّة الواجب المشروط لأجل صورة وجود مقدّمات سابقة فيلغى حينئذ البحث.
فقد تحصّل أنّ الطلب بحقيقته غير قابل للتعليق ، وكذلك إلزام العقل بالإطاعة غير قابل للتعليق ، والبعث والتحريك الفعلي من العقل وإن أمكن أن يكون منوطا بمجيء وقت كذا إلّا أنّ ذلك فيما لم تكن هناك مقدّمات سابقة كما هو المنظور في المقام.
وأمّا مقامه الثاني :
أعني عدم معقوليّة التعليق في إنشاء الطلب ـ كان ذلك بالصيغة أو بالجملة الخبريّة ـ فبيانه يكون بشرح حقيقة التعليق.
فاعلم أنّ التعليق عنوان جملتين مختلفي الحكم في موضوع واحد بتقديرين متناقضين ، ومن تظاهر هاتين الجملتين ينتزع عنوان التعليق. فإذا أخبرنا عن العالم بأنّه مضيء ، وأخبرنا أيضا بأنّه مظلم في تقديرين مختلفين : طلوع الشمس ولا طلوعها فقد علّقنا المخبر به على طلوع الشمس. وكذا الحال في الجملة الإنشائيّة.
ثمّ لا فرق بين أن نعبّر عن الجملتين بمتن عبارتيهما ، وبين أن نعبّر عن إحداهما بمتن عبارتها وعن الاخرى بنصب أداة تدلّ عليها كلفظ «إن» و «إذا» الشرطيّتين ، أو لفظ «منوط»