أوامر غايتها ـ وهي أوامر نفسيّة ـ لا بأوامرها الغيريّة المترشّحة من تلك الغايات حتّى يشكل علينا بأنّ الأوامر الغيريّة لا تكون عباديّة ، فكيف صارت هذه عباديّة؟! وهذه العباديّة عامّة لكلّ شرائط العبادات. وانقلاب الأمر بالمقيّد بالأمر بلا قيد ـ عند حصول القيد بأيّ داع كان في بعض الشرائط ـ لا يوجب النقض علينا.
ثمّ إنّه قد يذبّ عن إشكال عباديّة الطهارات الثلاث بوجوه لا بأس بالتعرّض لها.
منها : أنّ الطهارات مستحبّات نفسيّة ، وعباديّتها بجهة استحبابها النفسي لا باقتضاء من أوامرها الغيريّة ، بل أوامرها الغيريّة توصّليّة متعلّقة بما هو مستحبّ في ذاته وبأمره النفسي لمّا كانت غايته مقدّمة لواجب (١). ويردّه ـ بعد تسليم الاستحباب النفسي في التيمّم ـ : أنّه لا إشكال في صحّة الإتيان بها بداعي أمرها الغيري بلا التفات إلى استحبابها النفسي ، فلو كان هذا الأمر متعلّقا بمأمور به عباديّ كانت الدعوة بهذا الأمر منوطة بالدعوة بالأمر الأوّل لأخذها في موضوعه.
ودعوى أنّ الاكتفاء بقصد أمرها الغيري فإنّما هو لأجل أنّه يدعو إلى ما هو كذلك في نفسه ؛ حيث إنّه لا يدعو إلّا إلى ما هو المقدّمة (٢) ، مدفوعة بأنّه إن كان المراد أنّ قصد الأمر الغيري متضمّن لقصد الأمر النفسي ـ فلذا يكتفى به عنه ولا يحتاج إلى الالتفات إليه وقصده تفصيلا ؛ حيث إنّه لا يدعو إلّا إلى ما هو مستحبّ في ذاته ـ فهو خلاف المعقول ؛ إذ الأمر الغيري إذا فرض تعلّقه بالمأمور به العبادي لم يعقل قصده بدون قصد سابق للأمر النفسي العبادي لفرض أخذه في موضوعه ، فما لم يقصد التعبّد بالأمر العبادي لم يدخل في عنوان المقدّمة حتّى يقصد به التقرّب بالأمر الغيري ، فإذا لزم قصد أمره النفسي من قصد أمره الغيري كان ذلك دورا.
وإن كان المراد أنّ المعتبر في العبادة جنس النيّة وقصد أمره النفسي من قصد أمره الغيري كان ذلك دورا.
وإن كان المراد أنّ المعتبر في العبادة جنس النيّة وقصد التقرّب لأيّ أمر كان لا خصوص الأمر العبادي ، وجنس النيّة هاهنا حاصل ولو للأمر الغيري فكفى ذلك وأغنى عن نيّة الأمر النفسي العبادي ـ وهذا كما إذا استؤجر الشخص على الإتيان بالعمل العبادي فقصد الأجير بعمله امتثال أمر «ف بالإجارة» ، فإنّه كفى عن امتثال أمر نفس العبادة واستحقّ بذلك الأجرة
__________________
(١) اختاره في كفاية الأصول : ١١١ ونقله في مطارح الأنظار : ٧١ بقوله : ويمكن التفصّي.
(٢) كفاية الأصول : ١١١.