صحيحة زرارة الواردة في باب الوضوء (١). وكيف ما كان فنحن في غنى من هذه القاعدة بقاعدة نفي الحرج ؛ فإنّ تحمّل الضرر حرج ومشقّة.
وأمّا تقديم دليل نفي الضرر على أدلّة الأحكام الأوّليّة بأحد الوجوه الثلاثة ، فبطلانه يظهر ممّا ذكرناه من ورود تلك الأدلّة على هذه ، مع أنّ نظر دليل نفي الضرر إلى أدلّة الأحكام وشرحه لها لم يثبت ، ولذا لا يلغي هذا لو فرض عدم تلك ؛ واشتمال بعض أدلّة نفي الضرر على قوله : «في الإسلام» (٢) لا يقتضيه ، بل الظاهر أنّ دليل نفي الضرر في عداد أدلّة سائر الأحكام ، فهو ينفي وجود حكم ضرري كما أنّ غيره يثبت ، والنسبة عموم من وجه ، لكنّ لو أخذ بمجموع أدلّة الأحكام لم يبق لهذا الدليل مورد ، والتبعيض ترجيح بلا مرجّح ، فيقدّم هذا بمناط تقديم الخاصّ على العامّ. هذا مع قطع النظر عن الجمع الذي أشرنا إليه سابقا.
وأمّا توهّم التوفيق العرفي (٣) فهو ناشئ من حسبان أنّ العناوين الأوّليّة في نظر العرف من قبيل المقتضي ، والعناوين الثانويّة من قبيل المانع ، فيرفع اليد عن المقتضي لأجل المانع ، وهو إن سلّمناه لم يكن يجدي في الجمع بين الأدلّة ؛ فإنّ بناء الجمع بين الأدلّة على الأخذ بالأظهر والنصّ والتصرّف في الظاهر ، وما ذكر لا يوجب تحقّق الأظهريّة في الأدلّة لكي يجمع جمعا عرفيّا.
نعم ، ذلك جمع استحساني ذوقي مؤسّس على أساس فهم المقتضي والمانع في العناوين.
ثمّ إنّ هنا أمورا ينبغي التعرّض لها :
الأوّل : أنّ المنفيّ بدليل نفي الضرر هو الضرر الواقعي دون الضرر الاعتقادي ، فالغسل الضرري مثلا خارج عن تحت خطاب «اغتسل» وإن لم يعلم المكلّف بذلك حتّى اغتسل. نعم ، لم يفعل محرّما ، وأمّا الإعادة للغسل فتجب.
وربما يتوهّم اختصاص فساد الغسل أيضا بصورة العلم أو الظنّ بالضرر ؛ نظرا إلى أنّ
__________________
(١) الكافي ٣ : ٣٠ / ٤ ؛ الفقيه ١ : ٥٦ / ٢١٢ ؛ التهذيب ١ : ٦١ / ١٦٨ ؛ الاستبصار ١ : ٦٢ / ١٨٦ ؛ وسائل الشيعة ١ : ٤١٣ أبواب الوضوء ، ب ٢٣ ، ح ١.
(٢) الفقيه ٤ : ٢٤٣ / ٧٧٧ ؛ وسائل الشيعة ٢٦ : ١٤ أبواب موانع الإرث ، ب ١ ، ح ١٠.
(٣) كفاية الأصول : ٣٨٢.