دليل نفي الضرر سيق في مقام الامتنان ، ولا منّة في أن يحكم الشارع بفساد غسل أتي باعتقاد عدم الضرر فيه ، بل حكمه بالإعادة حكم تشديدي على خلاف المنّة ، سيّما إذا كان معه إعادة الصلاة ، أو نظرا إلى أنّ دليل نفي الضرر يرفع خطابا يوقع المكلّف في الضرر ، والضرر في المقام مستند إلى جهل المكلّف لا إلى اقتضاء الخطاب.
والوجهان كلاهما ضعيفان.
أمّا حديث الامتنان فبأنّ جميع أحكام الشرع شرّعت منّة على العباد ولطفا بهم ، وهذا لا يجدي في المقام. إنّما المجدي أن تكون القاعدة مسوقة لأجل التسهيل على العباد ، وهذا غير معلوم ، بل أنّ الظاهر أنّ حكمتها المحافظة على العباد عن الوقوع في المهالك والمضارّ رأفة بهم وإن هم أقدموا عليها ورضوا بها.
وأمّا الوجه الثاني فممنوع صغرى وكبرى.
أمّا الكبرى فلأنّ ظاهر الأدلّة نفي كون الضرر من أعمال الإسلام ، ومعنى ذلك أنّ الفعل الضرري غير داخل تحت الأحكام والقوانين التي قنّنها مقنّن قانون الإسلام ، فيكون محصّل ذلك عدم تعلّق أحكام الشرع بالضرري من متعلّقاتها ، سواء كان حكم الشرع هو الموقع في الضرر أو لا.
وأمّا الصغرى فيظهر وجه منعها بالنظر والتأمّل في كيفيّة سببيّة الحكم في حصول المتعلّق.
فاعلم أنّ تأثير الحكم في حصول متعلّقه ليس على وجه العلّيّة التامّة ، بل ولا على سبيل الاقتضاء ، إنّما المقتضي المؤثّر في بعث العبد هو علمه بطلب المولى ، فكان الطلب من مقدّمات ما هو المقتضي لا هو نفسه ، وهذا الدخل والسببيّة ثابت للحكم إن هو أثّر فعلا أو لم يؤثّر ، وشأن دليل نفي الضرر نفي حكم كان له هذا الدخل والسببيّة ، فكان المنفيّ واقع الحكم المتعلّق بأمر ضرري ـ إن علم به المكلّف أو لم يعلم ـ لما عرفت أنّ كلّ حكم له هذا الدخل وإن جهله المكلّف ، وإنّما العلم دخيل في التأثير الفعلي ، ولا يعقل نفي كلّ حكم هو مؤثّر فعلي في حصول متعلّقه ؛ لأنّ ما له إلى نفي الحكم إذا تعلّق العلم به وإثباته إذا جهل ، وكلّ حكم كان كذلك كان لغوا ، وكان صدوره عن الحكيم محالا ؛ فإنّ غاية الحكم هو أن يعلم فيعمل به ، فإذا فرض أنّه يرتفع إذا علم فما عساه يكون غاية له؟